مال وأعمال

من نيكسون إلى ترامب.. الدولار في عين العاصفة

نشر
Camil Bou Rouphael
في تحوّل غير مسبوق منذ أكثر من نصف قرن، يواصل الدولار الأميركي هبوطه الحاد، مسجلاً أسوأ بداية سنوية له منذ عام 1973، بعدما أنهت الولايات المتحدة رسميًا ربط عملتها بالذهب.
هذا الانخفاض لم يأتِ من فراغ، بل ترافق مع سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من تشريعات ضريبية مثيرة للجدل إلى تصعيد جديد في الحرب التجارية، إضافة إلى ضغوط مباشرة على الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
وبينما تتضارب الآراء بشأن ما إذا كان هذا التراجع يعكس انحدارًا هيكليًا طويل الأمد أم تصحيحًا مؤقتًا بفعل سياسات ظرفية، فإن المؤشرات الاقتصادية والمالية، كما تظهر في تقارير كبرى الصحف والمؤسسات الدولية، تدفع للتساؤل بجدية عن مستقبل العملة الأميركية في النظام المالي العالمي.
فقد انخفض الدولار بأكثر من 10% في النصف الأول من عام 2025 مقارنة بسلة من عملات الشركاء التجاريين الرئيسيين، وهو أكبر هبوط نصف سنوي له منذ بداية عصر تعويم العملات في السبعينيات، وفقًا لبيانات وكالة رويترز.
ورغم تعافي الأسواق المالية الأميركية، إلّا أن الدولار واصل الهبوط، ما فتح الباب أمام نقاش واسع حول ما إذا كان الدور المركزي الذي لطالما لعبته العملة الأميركية يواجه اليوم أحد أخطر تحدياته.

اعرف أكثر

كيف سجّل الدولار أسوأ بداية سنوية منذ 1973؟

منذ مطلع العام، تضافرت مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية التي أثقلت كاهل الدولار. في طليعتها، مشروع قانون الضرائب والإنفاق الذي دفع به الرئيس ترامب، والذي يُتوقع أن يضيف 3.3 تريليونات دولار إلى العجز الأميركي خلال عقد، بحسب تقديرات مكتب الميزانية في الكونغرس، كما نقلت نيويورك تايمز ورويترز.
هذا المشروع يشمل تخفيضات ضريبية إضافية غير متوقعة، مثل إلغاء ضرائب العمل الإضافي والبقشيش وقروض السيارات، إلى جانب إنفاق دفاعي وأمني كبير.
في الوقت ذاته، تصاعد التوتر بشأن مستقبل التجارة العالمية، إذ عبّر ترامب عن استيائه من مفاوضات التجارة مع اليابان، بينما حذّر وزير الخزانة من احتمال فرض رسوم جمركية جديدة رغم التفاوض الجاري، ما ساهم في زيادة حالة الضبابية، وفق تقرير سي إن بي سي.
وقد تسببت هذه الإجراءات في زيادة الضغوط على الدولار، ودفعته إلى أدنى مستوياته مقابل اليورو منذ سبتمبر 2021.
واستقرّ مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة مقابل 6 عملات رئيسية، عند 96.612 نقطة في بداية يوليو، وهو أدنى مستوى له منذ فبراير 2022، بحسب بلومبرغ.

هل فقد الدولار أدوات الدفاع؟

في خضمّ هذه التراجعات، تصاعد الجدل حول ما إذا كان الدولار يفقد موقعه كملاذ آمن في أوقات الأزمات. نيويورك تايمز نقلت عن ستيف إنغلاندر، رئيس قسم أبحاث العملات في "ستاندرد تشارترد"، أن "المسألة ليست ما إذا كان الدولار قويًا أو ضعيفًا، بل ما يقوله هذا الأداء عن نظرة العالم لسياسات الولايات المتحدة".
في المقابل، ترى فايننشال تايمز أن هذا التراجع لا يُعد دليلاً كافيًا على فقدان الدولار لمكانته، مشيرة إلى أن عوائد سندات الخزينة الأميركية تتراجع، ومعدلات التضخم المتوقعة تهبط، بينما تسجل مؤشرات الأسهم مستويات قياسية، ما يوحي بأنّ المستثمرين لا يفرّون فعليًا من الدولار.
لكن المخاوف من تراجع الثقة ليست غائبة تمامًا. فقد حذر ريك ريدر، كبير مسؤولي الاستثمار في "بلاك روك"، من أن تزايد الدين الحكومي قد يعزز خطر تخلي الأسواق العالمية عن الاعتماد الكامل على الدولار، كما ورد في تقرير نيويورك تايمز.

من الرابح الأكبر؟

الهبوط الحادّ للدولار كان له تأثير مباشر على أسواق العملات، حيث قفز اليورو إلى 1.1808 دولار، محققًا ارتفاعًا بنسبة 13.8% بين يناير ويونيو، وهو أقوى أداء نصف سنوي له على الإطلاق، وفقًا لبيانات مجموعة بورصات لندن.
كما استقرّ الجنيه الإسترليني قرب أعلى مستوياته في 3 سنوات ونصف عند 1.3739 دولار، بحسب رويترز.
أما الين الياباني، فقد استفاد أيضًا من هذا التراجع. فقد ارتفع بنسبة 9% في النصف الأول من العام، وهو أقوى أداء له منذ عام 2016، بحسب بلومبرغ.
ويُعزى هذا الارتفاع جزئيًا إلى التاريخ الموسمي الإيجابي للعملة خلال يوليو، إذ حققت مكاسب في هذا الشهر على مدى السنوات الـ5 الأخيرة.
وبحسب بيانات لجنة تداول السلع الآجلة الأميركية (CFTC)، عززت صناديق الاستثمار مراكزها الشرائية على الين، فيما يستعد بنك اليابان لاجتماع حاسم بنهاية الشهر. كما رجّحت السوق احتمال رفع الفائدة بنسبة 40% بحلول أكتوبر.

إلى أين تتجه السياسات النقدية والمالية؟

وسط هذه التقلبات، تزايدت الضغوط السياسية على الاحتياطي الفيدرالي، حيث يواصل ترامب دعواته لخفض الفائدة. وقد أرسل إلى جيروم باول قائمة بأسعار الفائدة العالمية، مرفقة بتعليقات بخط اليد تطالب بجعل الفائدة الأميركية بين 0.5% (مثل اليابان) و1.75% (مثل الدنمارك)، كما أفادت سي أن بي سي.
هجمات ترامب العلنية على الفيدرالي، وطلبه العلني من باول الاستقالة، أثارت مخاوف بشأن استقلالية البنك المركزي ومصداقيته، وهو ما دفع بعض المستثمرين إلى التشكيك في استقرار السياسة النقدية الأميركية.
وفي هذا السياق، تتوقع الأسواق الآن خفضًا بمقدار 67 نقطة أساس من الفيدرالي خلال هذا العام، في حين تشير تقديرات غولدمان ساكس إلى احتمال تنفيذ 3 تخفيضات في أسعار الفائدة بواقع ربع نقطة مئوية لكل منها، مقارنة بتخفيض واحد كان متوقعًا سابقًا في ديسمبر.
في موازاة ذلك، يصوّت مجلس الشيوخ على "مشروع القانون الجميل والضخم"، والذي يتضمّن بنودًا ضخمة للإنفاق والتحفيز الضريبي.
ووفقًا لمركز السياسات الحزبية، فإن نفقات الفوائد وحدها قد ترتفع إلى 25% من إيرادات الحكومة، ما يعني أن دولارًا من كل 4 سيذهب لخدمة الدين.

حمل التطبيق

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة

© 2025 blinx. جميع الحقوق محفوظة