"قلق تكنولوجي" في لبنان.. هل تنفجر البطارية؟

منذ ساعات الصباح، رتبت فاطمة نزّال أوقاتها قبل خطاب نصرالله، فعادت مسرعة إلى منزلها لسببين، الأول أنها تخشى حصول أي حوادث مماثلة كتلك التي حصلت يومي الثلاثاء والأربعاء، وثانيا لمتابعة خطاب نصرالله.

"لقد سُلبنا راحة البال".. بهذه الكلمات تحدثت نزال لبلينكس واصفة الوضع بـ"المأساوي"، وقالت إن الضاحية الجنوبية لبيروت تقف أمام "هزة غير مسبوقة" منذ بدء الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل في أكتوبر الماضي.

الحركة في الضاحية الجنوبية لبيروت ليست على حالها، بينما تنقلات الناس باتت خجولة، فغالبية المواطنين يذهبون فقط لشراء أغراضهم ويعودون فورا إلى منازلهم.

تتساءل نزّال عن المرحلة الجديدة بعد تفجيرات "البيجر" و"اللاسلكي"، وتقول: "الإسرائيليون يهددون، ولديهم تفوق تكنولوجي وفي كلمته اعترف نصرالله بذلك. ماذا يعني هذا الأمر؟ لدينا صواريخ ولدينا راجمات. يمكنه ضرب أهداف عسكرية أو مدنية في أوقات معينة وضمن نطاق محدود، لكن إسرائيل خرقتنا داخل منازلنا وعبر هواتفنا وعبر أنظمة حياتنا".

وتابعت "الأمر الأخطر هو أننا لا نعرف شيئا عن سبل المواجهة سواء من قبل حزب الله أو من قبلنا. فماذا ينتظرنا أكثر من ذلك؟ الأمور مخيفة جدا وأعتقد أن كلام نصرالله لم يبدد مخاوفنا من مراحل صعبة تنتظرنا، وما قد نشهده هو دموية أكبر ستمارسها إسرائيل ضدنا".

في المقابل، تقول وفيقة ناصر الدين، إنها لا تخشى أي شيء: "نعيش حياتنا بشكل طبيعي ونستخدم هواتفنا. صحيح أن الحرب التكنولوجية كبيرة لكننا سننتصر في النهاية، وما يزيدنا صلابة هو وحدتنا كلبنانيين والتي تجلت يومي الثلاثاء والأربعاء".

في ذات السياق، يعتقد الخبير العسكري هشام جابر أن رد الحزب سيتأخر بغرض تحديد الأهداف ودراستها، موضحا في تصريحات لبلينكس أن تصريح نصرالله بإبقاء الرد "ضمن أصغر دائرة"، يعني خشيته من أي تسريبات متوقعة للرد.

تقول الناشطة الاجتماعية لينا إسماعيل في مدينة بعلبك إن "ما حصل في اليومين الأخيرين مخيف لدرجة غير طبيعية، إنه لأمر مرعب، كما لو أننا نعيش داخل لعبة إلكترونية".

وتضيف عبر الهاتف، لوكالة فرانس برس، بينما يرتجف صوتها "وصل بنا الخوف إلى حدّ تفكيك جهاز تشغيل نظام الطاقة الشمسية، وسحب "الباور بانك" من ابنتي. حتى أننا وضعنا هواتفنا في غرفة منفصلة".

تروي إسماعيل "دوّت 3 انفجارات في محيطنا، اثنين داخل منزلين وثالث في سيارة"، مضيفة "في حالة الحرب، نعرف مثلا أن الطيران يشنّ غارة وينتهي الأمر، لكن أن ينفجر الشخص وهو يسير أو يرتاح داخل منزله، فليس هناك من رعب أكثر من ذلك".

ويقول مصطفى جمعة إنه قام بإزالة بعض البضائع من متجره للإلكترونيات في مدينة صيدا الجنوبية. ويشرح "كانت لدينا هنا بعض الأجهزة التي نعتقد أنها آمنة بنسبة 100%، ولكن من باب الحذر أزلناها. لأننا شعرنا بالقلق".

تشير الأخصائية النفسية مايا أبي جمعة إلى أن التحديات النفسية التي يواجهها اللبنانيون ازدادت بشكل كبير، مؤكدة أن "هذا الأمر يستوجب اتخاذ خطوات أساسية، منها تجنب المعلومات والأخبار المفرطة، خصوصا تلك التي تؤثر سلبا على الحالة النفسية".

تشدد أبي جمعة في تصريحات لبلينكس على "أهمية اللجوء إلى مصادر معلومات موثوقة تنفي أي شائعات، إذ يساعد ذلك في تقليل القلق وزيادة الشعور بالطمأنينة".

تشير الأخصائية النفسية إلى ضرورة البحث عن الدعم النفسي، سواء من خلال استشارة متخصصين أو الانضمام إلى مجموعات دعم، مضيفة: "التحدّث عن المشاعر والتجارب مع الآخرين يمكن أن يخفف من الشعور بالوحدة ويعزز القدرة على التكيف، كما أن الحصول على دعم من الأصدقاء والعائلة يعد عنصراً أساسياً في تخفيف التوتر".

في شارع بدارو في شرق بيروت والمكتظ بمقاه وبمؤسسات عامة وخاصة، يتحدّث مواطنون التقتهم وكالة فرانس برس عن قدرة إسرائيل على اختراق أجهزة الاتصال في لبنان، في رأيهم.

يروي جورج بهنام، 57 عاما، وهو صاحب فرن صغير، كيف تخلّت شقيقته منذ الثلاثاء عن هاتفها الخلوي من طراز آيفون بعد سماعها شائعات بأنه من "ضمن الأجهزة القابلة للاختراق، خشية انفجاره".

ويقول "نحن شعب يعيش توترا دائما، يمكن لأقلّ أمر أن يؤثّر علينا سلبا".

ويتابع بينما نار فرنه مطفأة وبضع مناقيش زعتر جاهزة تنتظر من يشتريها، "نعيش قلقا اقتصاديا، واليوم لا نعرف ماذا سيحلّ بنا وماذا سنفعل".

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تداول مستخدمون إرشادات وصور لأجهزة الكترونية، داعين إلى فصل البطاريات عنها خشية انفجارها، ما يدلّ على اقتناعهم بأن إسرائيل قادرة على اختراق كل الأجهزة عن بعد، رغم تأكيد خبراء أن أجهزة عناصر حزب الله تمّ تفجيرها وتفخيخها من المصدر، قبل وصولها إلى حزب الله.

تقول الممرضة غدير عيد، 25 عاما، بينما تجتاز شارع بدارو القريب من الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله، "فكّرت أمس في أن أضع هاتفي بعيدا عني، ثم عدلت عن الفكرة بعدما أجريت بحثا سريعا عبر الإنترنت. لكننا أوقفنا العمل بنظام الطاقة الشمسية في المنزل لأننا لا نشعر بأمان إذا بقيت البطاريات قيد الخدمة".

المتخصصة في علم الاجتماع بالجامعة اللبنانيّة، هند حمية، تقول إن المجتمع اللبناني أثبت بعد انتهاء حادثتي التفجير أنه يميل لاستقاء الحقيقة من التحليلات العلمية أكثر من اعتماده على الشائعات.

تضيف في تصريحات لبلينكس: "الدليل على ذلك هو أن الناس باتوا يتناقلون فيديوهات لخبراء يتحدثون عن التفجيرات. ما حصل هو أن الوعي يواجه الشائعات، والسبب هو الحقيقة العلمية التي برزت بقوة".

بالمقابل، تقول عيد إنها قررت تجنّب الأماكن المكتظة أو تلك المحسوبة على حزب الله "لأننا لا نعلم من سينفجر"، وتتابع: "ما جرى هو حلقة من سلسلة أمور تراكم لدينا حالة القلق وعدم الأمان، خصوصا أننا لا نعلم إذا كان الوضع سيتطور إلى حرب".