إيران ومفاوضات النووي.. صفقة أو مراوغة؟

أعلنت الأمم المتحدة، الثلاثاء، أن إيران زادت مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى ما يقترب من مستويات تصلح للاستخدام في صنع الأسلحة ، فتجاوز 32 مرة الحد الوارد في اتفاق عام 2015 بين إيران والقوى العالمية للحد من برنامجها النووي.

ووفقا لتقرير سري للوكالة اطلعت عليه وكالة فرانس برس، فإن إجمالي مخزون إيران من اليورانيوم المخصب قُدِّر بنحو 6604.4 كيلوغرام اعتبارًا من 26 أكتوبر، بزيادة 852.6 كيلوغرام عن التقرير الفصلي الأخير في أغسطس.

وفي سياق متصل، قالت الوكالة في تقريرين سريين للدول الأعضاء، الثلاثاء، إن إيران عرضت عدم زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء تصل إلى 60% واتخذت الاستعدادات اللازمة لذلك.

وجاء في أحد التقريرين الفصليين اللذين اطلعت عليهما رويترز "نوقش إمكان عدم زيادة إيران مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60% من اليورانيوم-235"، وذلك خلال زيارة المدير العام للوكالة رافائيل غروسي لإيران الأسبوع الماضي.

وخلال زيارة غروسي، أبدى الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، انفتاح بلاده للحديث حول أنشطتها النووية فور توليه الحكم، ليسمح فيما بعد للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، بزيارة مواقع نووية كانت ممنوعة في وقت سابق على ممثلي مؤسسته.

وقالت وسائل إعلام رسمية في إيران إن غروسي زار محطة "نطنز" النووية، وموقع التخصيب في فوردو، المحفور في جبل علي على بعد قرابة 100 كيلومتر جنوبا من العاصمة طهران.

لكن دبلوماسيا كبيرا قال إن العرض الإيراني، الذي يضع حدا أقصى للمخزون عند نحو 185 كيلوغراما، مشروط بإلغاء القوى الغربية قرارا مزمعا ضد طهران خلال اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد أيام.

لكن أوروبا لم تتمهل، فوسعت نطاق العقوبات المفروضة على إيران على خلفية دعمها لروسيا في الحرب ضد أوكرانيا، إذ أضافت لقائمة العقوبات خطوط الشحن لإيران (إريسل غروب) وكيانات أخرى، بحسب المفوضية الأوروبية، فيما قدموا مع الولايات المتحدة مشروع قرار أمام محافظي الوكالة يدين عدم تعاون طهران في الملف النووي.

وفي ظل الضغط الأميركي المستمر على إيران، باتت طهران أمام طريقين في ولاية ترامب، التي تبدأ في يناير المقبل.

وقال الباحث في الشؤون الإقليمية، هشام عبدالرحمن، في حديث مع "بلينكس"، إن إيران أمام طريقين، الأول يكمن في الانفتاح النسبي أمام التفاوض حول البرنامج النووي، مضيفا: "لكن سيحدث ذلك بحذر، وسط تخوفات من احتمالية وجود قائمة من الشروط الأميركية لعرقلة النشاط النووي الإيراني بشكل كامل، كما تريد إسرائيل".

وأضاف عبدالرحمن: "الطريق الآخر هو أن يفرض الجناح المتشدد في إيران كلمته على المشهد، بما في ذلك الملف النووي، ونشهد مزيدا من التصعيد العسكري بشكل عام، وعودة التشدد في الملف النووي على الأخص".

وتابع هشام: "إذا تم اتخاذ الطريق الثاني فسيُعقد موقف إيران وعلاقاتها الدولية، وستكون المنطقة بأكملها على حافة الهاوية، مع تصعيد إضافي قد تشهده خلال الفترة المقبلة".

الخطوات الحالية الآن أظهرت طهران أنها ستسير في الطريق الأول، وتسمح بالحديث عن ملفها النووي، ومثلما قال رئيسها بزشكيان "ستعمل على إزالة الشكوك حول البرنامج النووي"، لكن قد يتغير الوضع خلال الفترة المقبلة.

في سياق متصل، قال مطلعون على عملية انتقال السلطة في البيت الأبيض، لصحيفة "فاينانشال تايمز"، إن إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، ستعيد إحياء سياسة "الضغط الأقصى"، الرامية إلى "إفلاس" قدرة إيران على تمويل وكلائها الإقليميين وتطوير أسلحتها النووية.

وأشار خبير في الأمن القومي، مطلع على عملية الانتقال، إلى أن ترامب "عازم على إعادة فرض استراتيجية الضغط الأقصى، لإفلاس إيران في أقرب وقت ممكن".

في الوقت نفسه، التقى السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، عقل ترامب لسياسات الشرق الأوسط، في إسرائيل برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يسرائيل كاتس، دون أن يصدر أي منهما بيانات تشير إلى ما حدث، لكن ثمة رسالة أرسلت لـ"بيبي" "افعل ما عليك فعله" لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي.

غراهام تحدث إلى موقع أكسيوس بعد الاجتماع ليقول "لم يكن يومًا أكثر قلقًا بشأن النووي الإيراني".

وأضاف: "من مصلحة أميركا أن نضمن أن النظام الإيراني لا يمتلك سلاحًا نوويًا. هذه لحظة حرجة وخطيرة لأصدقائنا في إسرائيل والعالم بشكل عام. من الضروري أن يُرى ويُسمع أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل ضد التهديد القادم من إيران".

تريد إيران استغلال عودة ترامب إلى البيت الأبيض لعقد صفقة معه، تمنحها الاستقرار وتجنّبها سياسة "الضغط الأقصى" الذي مُورس ضدها في ولايته الأولى، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".

وعلّق هشام عبدالرحمن قائلا: "تعد إيران ترامب تاجرا ناجحا، فهو رجل أعمال في الأساس، ويجيد عقد الصفقات، وهي أيضا تريد الحصول على مكاسب سياسية واستراتيجية، ما يجعل فكرة الصفقة قائمة بين الطرفين".

وأضاف هشام: "زادت إيران من تخصيب اليورانيوم منذ رحيل ترامب عن منصبه عام 2020 رئيسا للولايات المتحدة، وارتفعت كذلك صادراتها النفطية، ووسعت دعم المليشيات في المنطقة، وتحوّل الصراع بينها وبين إسرائيل إلى تصعيد مباشر".

ويرى عبدالرحمن أن التفاهمات الأميركية الإيرانية لو حدثت فلن تشمل فقط الملف النووي، بل قد تضم تهدئة التوتر الإقليمي في المنطقة، خاصة الملف اللبناني.

وقال محلل السياسة الخارجية، دياكو حسيني، في حديث مع "نيويورك تايمز"، إن إيران تتعامل بحذرٍ في الوقت الحالي، مضيفا: "لا تريد طهران استمرار العلاقة العدائية مع ترامب، خاصة في هذه المرحلة".

وحول الأصوات الإيرانية الرافضة للتفاوض مع ترامب تحت الضغط، علق الخبير الأمني الإقليمي الإيراني مصطفى نجفي قائلا: "إذا عاد ترامب لسياسة الضغط الأقصى، فلن تختار طهران التفاوض بلا شك".

لكن الولايات المتحدة تنظر بعين الشك إلى التصريحات الإيرانية بخصوص برنامجها النووي، خاصة أنها وضعت الكرة في ملعب الغرب.

وكتب وزير الخارجية عباس عراقجي، عبر "إكس": "الكرة الآن في ملعب الاتحاد الأوروبي/الترويكا الأوروبية"، في إشارة إلى الثلاثي الأوروبي (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) الذي يمثّل الغرب، جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة في المحادثات النووية.

وقال عراقجي: "نحن على استعداد للتفاوض على أساس مصلحتنا الوطنية وحقوقنا التي لا يمكن التنازل عنها، لكننا غير مستعدّين للتفاوض تحت الضغط والترهيب".

وفي أول رد فعل على تصريحات المسؤولين الإيرانيين، أكدت الولايات المتحدة، الخميس، أنها تنتظر تغييرا في "سلوك" طهران لا مجرد أقوال.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتل: "في نهاية المطاف، ما نريد أن نراه من إيران هو تغيير فعلي في السلوك والخطوات، لا مجرد مؤشرات أو تلميحات إلى أمر ما".