من المعمداني إلى عدوان.. هل تكشفت "حرب المستشفيات" خطة إسرائيل؟

أصدر الدفاع المدني في قطاع غزة، بيانا الأحد ٢٩ ديسمبر، عن هجوم إسرائيلي جديد على القطاع الصحي، باستهداف مبنى مستشفى "الوفاء لرعاية المسنين والمعاقين، في حي الرمال بغزة.

الهجوم الإسرائيلي على مستشفى الوفاء الذي خلف ٧ قتلى وعدد من المصابين لم يكن جديدا، فقد اعتاد الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة على مهاجمة المستشفيات بشكل واضح.

الشهر الأول للحرب، شهد فاجعة كبرى في قطاع غزة، بعدما استهدف مستشفى الأهلي المعمداني في حي الزيتون جنوبي القطاع، بصاروخ ثقيل، في وقت كان يؤوي بداخله الكثير من النازحين والجرحى والمرضى.

وكان السكان في أكتوبر ٢٠٢٣، اتجهوا إلى مستشفى المعمداني للاحتماء بساحته، بعد أن دُمرت منازلهم والأحياء التي كانوا يسكنوها، لكنهم فوجئوا بصاروخ يسقط فوق رؤوسهم هناك.

قصف المعمداني أدى إلى مقتل ما يزيد عن ٥٠٠ شخصا، بالإضافة إلى إصابة المئات، ليعرف السكان في غزة أن المستشفيات ليست مكانا آمنا للاحتماء به.

وفي نوفمبر ٢٠٢٣، عادت إسرائيل لتنفذ عملية عسكرية كبرى ضد مستشفى آخر في غزة، بفتح النار على مستشفى "الشفاء".

وخلال الشهر الجاري، استهدفت إسرائيل مستشفى كمال عدوان الواقع في شمال قطاع غزة، والذي يعد آخر ما تبقى من القطاع الصحي في الشمال.

الجيش الإسرائيلي استهدف مستشفى كمال عداون بالمسيرات التي فتحت النيران، لتحرق أجزاء كبيرة منه، قبل أن تعود لتواصل عمليات القصف الممنهج، وسط محاصرة من الدبابات والآليات العسكرية والقوات البرية بالخارج.

ويقول مدير المستشفى، حسام أبو صفية: "فوجئنا بفتح النار بشكلك جنوني على المستشفى، وأحرقت إسرائيل قسم العناية المركزة، الوحيد من نوعه في شمال القطاع".

وأكد أبو صفية أن القوات الإسرائيلية فتحت النار على محيط المستشفى، بعد انتهاء القصف الجوي، وسط حالة من الذعر بين الجرحى والمرضى والأطقم الطبية.

قبل ذلك، اقتحم الجيش الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان، واعتقل العشرات من الكادر الطبي، والجرحى، وجردهم من ملابسهم، في نوفمبر الماضي.

وعادت إسرائيل لتعتقل أكثر من ٢٤٠ شخصا من مستشفى كمال عدوان، بعدما أعلنت نهاية عملياتها هناك، مسجلة أكبر عدد من المعتقلين في يوم واحد، جمعتهم من محيط المستشفى وبداخله.

وأدانت الإمارات حرق إسرائيل لمستشفى كمال عدوان في بيان نشرتها وكالة الأنباء الإماراتية "وام"، في ٢٧ ديسمبر الجاري.

وأصدرت مصر بيانا، الأحد ٢٩ ديسمبر، أدانت "الاستهداف الإسرائيلي الممنهج" لمستشفيات غزة، ونددت بإخلاء مستشفى كمال عدوان، ووصفته بالعدوان "الصارخ والانتهاك السافر للأعراف والمواثيق الدولية".

زعم الجيش الإسرائيلي، في بيان له، السبت ٢٨ ديسمبر، أن مستشفى كمال عدوان يضم "مركز قيادة تابع لحركة حماس"، وبررت بذلك استخدام القوة المفرطة ضد المستشفى.

وفي بيان له، أكد الجيش الإسرائيلي إن عملية مستشفى كمال عدوان استهدفت "عناصر مسلحة من حماس والجهاد"، وقال إنهم ينشطون بداخل المستشفى وفي محيطه.

واعتقلت إسرائيل الطبيب حسام أبو صفية مدير المستشفى، بعد أن جردته من ملابسه مع المعتقلين الآخرين، وقال الجيش إن مدير المستشفى "مشتبه في كونه ناشطا في حماس".

لكن حركة حماس نفت تماما المزاعم الإسرائيلية حول استغلالها المستشفيات لأغراض عسكرية، واختباء مقاتليها بين المرضى والجرحى كما أعلنت إسرائيل أكثر من مرة.

ومنذ بداية حملة إسرائيل العسكرية على المستشفيات، نفت وزارة الصحة في غزة، وحركة حماس، ومسؤولو المستشفيات، مزاعم الجيش الإسرائيلي تماما، وفقا لشبكة "سي إن إن"، وتم نفي استخدام المستشفيات في أي أغراض عسكرية.

وبعد نفي منظمة الصحة العالمية لوجود نشاطات عسكرية داخل مستشفيات غزة، اتهمت إسرائيل المنظمة بالتواطؤ مع حركة حماس.

وقالت السفيرة الإسرائيلية لدى الأمم المتحدة ميراف إيلون، في يناير الماضي، في تصريحات نشرتها "تايمز أوف إسرائيل" :"منظمة الصحة العالمية لا يمكنها إنكار استخدام المستشفيات في غزة لأغراض عسكرية، هذا ليس عدم كفاءة، بل هو تواطؤ".

وبعد حرق مستشفى كمال عدوان واستهدافه، أصدرت حركة حماس بيانا الجمعة ٢٧ ديسمبر تجدد خلاله نفي المزاعم والادعاءات الإسرائيلية، وتؤكد أنها لا تعمل في مستشفى كمال عداون أو أي مستشفى آخر.

وجه الدفاع المدني الفلسطيني في غزة اتهاما إلى الجيش الإسرائيلي بتعمد تدمير كل منظمة القطاع الصحي في القطاع بعد الاستهداف المستمر للمستشفيات.

وكان العميد أحمد عكاشة رئيس المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية قد قال في حديث مع إن إسرائيل تسعى لجعل قطاع غزة مكانا "غير صالح للحياة".

وأعلنت منظمة الصحة العالمية، السبت ٢٨ ديسمبر، في بيان لها أن آخر مرفق صحي كبير في شمال غزة "كمال عدوان" أصبح خاليا وخارج الخدمة، ما يعني عدم وجود أي رعاية طبية في الشمال.

وقالت المنظمة التابعة للأمم المتحدة إن "التفكيك المنهجي للنظام الصحي والحصار المستمر منذ أكثر من ٨٠ يوما على شمال غزة، يعرض حياة ٧٥ ألف فلسطيني في المنطقة للخطر".

وأكدت منظمة الصحة العالمية أن "شريان الحياة" قُطع في شمال غزة بعد تدمير مستشفى كمال عدوان، وأكدت "وصول الرعاية الصحية في شمال غزة إلى حد الانهيار".

وبتدمير القطاع الصحي تمام في شمال غزة بسقوط مستشفى كمال عدوان، قد يضطر السكان والنازحين إلى البحث عن أماكن أخرى للإيواء والعلاج.

ومع استمرار الاستهداف الإسرائيلي لمستشفيات غزة، واعتبارها مراكز لقيادات عمليات حماس، كما يعلن الجيش الإسرائيلي في كل مرة، سيتحقق ما حذرت منه منظمات دولية حول "جعل غزة غير صالحة للحياة".

الصحافي يانيف جوكوفيتش كشف في برنامج من إنتاج صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في ٢٤ نوفمبر، عن خطة غير معلنة تنفذها إسرائيل في القطاع الفلسطيني تهدف إلى البقاء لفترة طويلة، ولا تشير إلى وجود نية لمغادرة المكان قريبا.

وأكد جوكوفيتش أن "خطة الجنرالات" يتم تنفيذها بدقة في غزة، من دون أن تفصح عنها الحكومة الإسرائيلية، مشيرا إلى أن كل الشواهد تؤكد بقاء إسرائيل لسنوات طويلة في القطاع الفلسطيني.

وكان الجنرال الإسرائيلي المتقاعد غيورا آيلاند كشف عن "خطة الجنرالات" في سبتمبر الماضي، بعد اقتراحها على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي تهدف لتهجير نحو 1.2 مليون شخص من شمال غزة قسريا، وفرض حصار كامل على المنطقة ورفض دخول المساعدات لتجويع المدنيين ومقاتلي حماس وإغلاق المستشفيات.

وتقضي الخطة بتحويل شمال غزة في النهاية إلى منطقة عسكرية مغلقة، بهدف القضاء تماما على أي وجود مستقبلي محتمل لحركة حماس في المنطقة التي شنت منها هجمات 7 أكتوبر 2023.

وقال الصحافي الإسرائيلي إنه رأى عملية إعادة إعمار جزئي في شمال غزة، بتعبيد طرق وبناء شبكات صرف صحي، وشبكات أخرى للكهرباء والاتصالات، وبناء ممتلكات جديدة إسرائيلية بعيدا عن الفلسطينية المهدمة جراء الحرب.

وتحدث جوكوفيتش عن تحول الجنود في شمال غزة إلى القيام بأعمال شركات المقاولات، بعد انتهاء العمليات العسكرية تقريبا، مضيفا: "لا يعرف الجنود ماذا يفعلون الآن في الشمال، فقد تحول عملهم إلى هدم المباني وإزالة الركام، وتبسيط الأرض، وتعبيد الطرق، وبناء مستودعات لتخزين الطعام وقضاء الحاجة".

وأشار يانيف إلى أن كل الشواهد تؤكد أن إسرائيل تخطط للبقاء في غزة لفترة طويلة، مؤكدا أن الأمور التي تقال للشعب الإسرائيلي تختلف عن التي تُنفذ بالفعل على أرض الواقع.