افترش يحي البطران الطريق، وسط حشد من السكان في غزة، وبينهم كاميرات الصحافيين، حاملا طفله الرضيع جمعة بين أحضانه، يحاول مداعبته وكأنه ما زال على قيد الحياة.
الجزء الذي رفض الاستسلام للواقع داخل البطران، جعله يخاطب طفله الميت أمام الجميع، ويطالبه بإلقاء التحية على أبناء عمومته.
بعد ذلك استجمع البطران قوته، وبدأ في الحديث عن مأساة طفله، في حديث لوكالة فرانس برس قائلا: "أنا لا أعمل، ولا أعرف من أين أشتري الغطاء، لا نملك البطاطين الكافية للتدفئة وننام في الشارع".
وأضاف البطران: "نحن أسرة مكونة من ٨ أفراد، ونملك فقط ٤ بطاطين، كان من المفترض أن تكون هناك مؤسسات توفر لأطفالنا الملابس والغطاء في هذه الظروف، لا أعيش في منزلي لكي أتمكن من توفير هذه الأشياء لأطفالي".
وبدا الرضيع متيبسا بعد أن تحول لون بشرته إلى الأبيض، ليشير إليه والده، ويقول: "انظروا إلى لونه كيف تغير بسبب البرد، هل ترون كم هو متجمد؟".
يقول يحيى إن الجيران منحوه بعض الملابس لتدفئة أطفاله، لكن هذا لم يكن كافيا، مؤكدا أنه كان يتعين عليه بناء "حضّانة خاصة" من النايلون لوضع الطفل بداخلها، مضيفا: "لم أستطع شراء ٤ أمتار من النايلون لحمايته".
وعن ليلة وفاة الطفل، قال الأب: "سقطت علينا قطرات الندى من سقف الخيمة، فاستيقظت لأجد زوجتي تتفحص ابننا، وسألتها ما بك؟ فأجابت إن الطفل لا يتحرك، فوجدت رأسه بارد كالثلج، فلففته وخرجت به على الفور".
حديث البطران أمام كاميرات الصحافيين، شهد حضور الكثير من أطفال غزة دون سن العاشرة، بدا عليهم التأثر بموجة البرد القارس، وظهر بعضهم حفاة.
لكن قصة يحيى لم تنته مع البرد الذي يهدد الرضع عند هذا الحد، فطفله الرضيع ولد مع توأمه الآخر قبل شهر من موعد ولادتهما، ليحتجز الأول في حضّانة للرعاية المركزة بمستشفى شهداء الأقصى التي تعمل بشكل جزئي بسبب ظروف الحرب.
ويقول يحيى عن ابنه الآخر الذي أسماه علي: "لم يقض سوى يوم واحد مع شقيقه، بعدما أخذنا جمعة إلى الخيمة، ونصح الأطباء والدته بتدفئته، لكن كان ذلك أمرا مستحيلا في خيمة تصل خلالها درجات الحرارة إلى أقل من ١٠ درجات مئوية ليلا.
وبعد مراسم دفن جمعة، توجه البطران إلى ابنه الآخر "علي" ليطمئن على حالته في المستشفى، وقبلها عقّب قائلا: "حرمت الطعام والشراب على نفسي حتى ينجو الآخر"، في إشارة إلى نجله الرضيع علي.