حرب التكنولوجيا الباردة.. كيف استعادت أميركا "عقل F-35"؟

في أغسطس 2022، أقرّ الكونغرس الأميركي قانون الرقائق والعلوم، وهو قانون يقدم مساعدات حكومية وإعفاءات ضريبية، للمساعدة في تحفيز إنتاج أشباه الموصلات المتقدمة على الأراضي الأميركية.

وبعد شهرين فقط، أصدرت إدارة الرئيس جو بايدن قراراً واسع النطاق، بفرض قيود على تصدير الرقائق وتكنولوجيا تصنيع الرقائق إلى الصين، من أجل تقويض قدرة التنين الصيني على تصنيع الرقائق، في قرار اعتبرته بكين بمثابة إعلان حرب في مجال "الرقائق الإلكترونية".

جيريمي مارك، الباحث الأميركي المتخصص في مركز الاقتصادات الجيولوجية التابع للمجلس الأطلسي الأميركي، يرى أن الإجراءات الأخيرة لواشنطن تمثل تحولاً عميقاً نحو المنافسة مع الصين في مجال التكنولوجيا الفائقة.

وقال لبلينكس "إدارة بايدن أطلقت عملية يمكن أن تغير استراتيجيات الأعمال والثروات لشركات الرقائق عالمياً".

وأشار الباحث الأميركي، إلى أن قانون "الرقائق والعلوم" أصبح بالفعل عاملاً مهماً في استراتيجية شركات التكنولوجيا على مستوى العالم، إذ يوفر حوافز للشركات التايوانية والكورية الجنوبية والأميركية، للقيام بمراهنات كبيرة على مصانع جديدة في أماكن مثل نيويورك وأوهايو وتكساس وأريزونا.

وكشف عن قرار شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات (TSMC) لبناء مصنع ثان في فينيكس بولاية أريزونا الأميركية.

تُعد الرقائق الإلكترونية أمرا حيويا للغاية لأي اقتصاد، فهي تمتد من رقائق الكمبيوتر التي لا يتجاوز حجمها حجم طرف الإصبع والتي تمد كل شيء بالطاقة، إلى الهواتف المحمولة، ومروراً بالسيارات، حتى أنظمة الأسلحة والأقمار الصناعية الأكثر تقدماً.

وكانت المصانع والشركات في الولايات المتحدة تنتج ما يقرب من 40% من الرقائق العالمية، لكن اليوم أصبحت تنتج ما يزيد قليلاً على 10%، الأمر الذي تعده واشنطن يقوّض الأمن القومي الأميركي ويجعل الاقتصاد الأميركي عرضة لاضطرابات سلسلة التوريد العالمية.

جايك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، قال في وقت سابق، خلال قمة التكنولوجيا الناشئة العالمية لمشروع الدراسات التنافسية الخاصة في العاصمة واشنطن، إنه "نظراً للطبيعة التأسيسية لبعض التقنيات، مثل المنطق المتقدم ورقائق الذاكرة، يجب علينا الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الريادة".

وتابع "إن ضوابط تصدير التكنولوجيا يمكن أن تكون بمثابة (أصل استراتيجي جديد) يمكن أن (يفرض تكاليف على الخصوم) بل وحتى يؤدي إلى إضعاف قدراتهم في ساحة المعركة".

ففي استراتيجية الأمن القومي لإدارة الرئيس بايدن الصادرة في أكتوبر الماضي، أشار البيت الأبيض إلى الإلكترونيات الدقيقة باعتبارها واحدة من "التقنيات الأساسية لحروب القرن الحادي والعشرين".

وفي أكتوبر الماضي، أعلن مكتب الصناعة والأمن التابع لوزارة التجارة الأميركية عن قيود جديدة شاملة، دخلت معها الحرب حول الهيمنة على الرقائق مرحلة جديدة، فبدلاً من مجرد عرقلة قدرة الصين على الحصول على الرقائق المتقدمة من خلال منع المبيعات لشركات بكين، حظرت القيود الجديدة مبيعات معدات تصنيع أشباه الموصلات، ما يحد فعلياً من قدرة التنين على إنتاج أجهزته المتطورة.

ولم تتوقف السياسة الجديدة عند هذا الحد، بل وسعت القيود المفروضة على إنتاج أي دولة ثالثة للعملاء الصينيين للرقائق، كما فُرض حظر على الأشخاص الأميركيين -سواء المواطنين أو أولئك الذين لديهم بطاقة غرين كارد- من العمل أو دعم إنتاج الرقائق الإلكترونية بأي شكل من الأشكال لدى الشركات الصينية.

هذا الأمر أدى إلى نزوح جماعي من الصين، إذ ترك مئات المهندسين الأميركيين مناصبهم في أي شركة صينية أو حتى لها فروع في الصين مثل شركات Applied Materials، وKLA، وLam Research، ChangXin Memory Technologies، وشركة Semiconductor Manufacturing International Corporation، وشركة Yangtze Memory Technologies Co.

وقال ديلان باتيل، كبير المحللين في شركة SemiAnalys الاستشارية للرقائق آنذاك، "إن اللوائح الأميركية الجديدة تعد بمثابة إعلان حرب باردة اقتصادية- تكنولوجية واسعة النطاق".

كما حذر ستانلي تشاو، المدير الإداري لشركة استشارات الأعمال المقيمة في الصين، "من أن الولايات المتحدة تقوم بفصل سلسلة توريد التكنولوجيا المتقدمة بأكملها بقوة قبل أن توفرها الصين بالكامل"، قائلا "أخرج بايدن مفتاح قنبلته اليدوية بالفعل تجاه الصين".

وقد دمرت مثل تلك الخطوات الأميركية المتلاحقة، الجهود الناجحة التي بذلتها بكين على مدى سنوات عديدة لجذب كبار المهندسين من مختلف أنحاء العالم إلى الصين، بمن في ذلك أعداد كبيرة من التايوانيين والصينيين الحاصلين على "البطاقة الخضراء" الأميركية.