"سديه تيمان".. ماذا تفعل إسرائيل في سيقان الفلسطينيين؟

منذ شهر ديسمبر الماضي، انتشرت بشكل كبير صور الجيش الإسرائيلي وهو يجرد أعدادا كبيرة من المدنيين من جميع ملابسهم سوى السروال الداخلي، والوقوف في صفوف، وتصويرهم على تلك الهيئة، ومن ثم وضعهم في شاحنات نقل عسكرية واقتيادهم لجهة مجهولة.

الجيش سعى لتقديم مقاطع الفيديو تلك باعتبارها "صور انتصار"، عبر الادعاء في بادئ الأمر بأن تلك المقاطع تصوّر لحظات استسلام مقاتلي حماس.

لكن في واقع الأمر، ما يفعله الجيش هو أنه في كل مكان تجتاحه قواته برياً، تعتبره "منطقة إبادة" بحسب وصف صحيفة هآرتس، ويسمح للجنود فيه بقتل أو اعتقال كل ما يتحرك، خاصة الذكور من سن 14 وحتى سن 75.

تضيف الصحيفة: "الجيش يعتقل المئات، ومن ثم ينقلهم لقاعدة سديه تيمان للرجال، وقاعدة أناتوت في القدس للنساء".

في نهاية ديسمبر الماضي، أدلى جندي احتياط خدم في قاعدة سديه تيمان بشهادته لإذاعة إسرائيلية، حول ظروف اعتقال الفلسطينيين.

الجندي الذي رفض الكشف عن اسمه، قال إنه بمجرد وصول المعتقلين من غزّة، يتم توزيعهم على أقفاص حديدية في العراء، ويتم وضع نحو 70 إلى 100 شخص في كل قفص ضيق، بحسب أعمارهم ما بين 18 و60 عاماً، بالإضافة لقفص مخصص للعجائز الذين تصل أعمارهم نحو 75 عاماً.

الجيش يمنح المعتقلين لباسا رمادي اللون لمرة واحدة، ولا يسمح لهم بتغييره أو غسله طوال فترة الاعتقال، ولا يسمح لهم بالاستحمام سوى مرة واحدة في الأسبوع في أفضل الأحوال.

وأضاف الجندي أن المعتقلين يتم عصب أعينهم وتكبيل أيديهم وأرجلهم طوال فترة الاحتجاز، وإجبارهم على الجلوس على الأرض في صفوف دون السماح لهم بالحركة، أو التحدث لبعضهم البعض، أو حتى الذهاب للمرحاض، أو حتى النوم بشكلٍ كافٍ.

أي شخص يتحرك أو يصدر صوتا أو يحاول النوم خلال اليوم، يتعرّض للضرب المبرح من قبل الجنود الذين حصلوا على الضوء الأخضر من قيادتهم لفعل ما يريدونه بالأسرى.

ويضيف الجندي أن المعتقلين يتعرضون للتجويع ولا يحصلون في أفضل الأحوال سوى على شريحتين من الخبز والخيار والجبن القليل جداً، كوجبة واحدة في اليوم، كما وينامون على "مراتب رقيقة جداً. ينامون عملياً على الأرض على بطانيات قذرة".

ويجبر الجنود المعتقلين أيضاً على أفعال عشوائية ومهينة، ويضربونهم بسبب أو دون سبب، بحسب شهادة المصدر الذي قال إن الجنود يتلذذون بتعذيب وضرب المعتقلين ويرون ذلك بأنه انتقام من غزّة ومشاركة في الحرب بطريقتهم.

تتوافق تلك الشهادة مع تقارير هآرتس و+972 الإسرائيليتين، وشهادة الأسرى الذين أفرج عنهم من القاعدة بعد أشهر من الاعتقال.

مجلة +972 الإسرائيلية وثقت شهادات إضافية حول أنواع التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون من غزّة في قاعدة سديه تيمان، حيث قالت إن الجنود أخضعوهم للصعق بالكهرباء، وأحرقوا جلودهم، وبصقوا في أفواههم، وحرموهم من النوم والطعام، والوصول إلى الحمامات "حتى يتبرزوا على أنفسهم"، كما يجرى تقييدهم لساعات.

وتنقل المجلة شهادات بعض من أطلق سراحهم من القاعدة عن تعرضهم للضرب على جميع أنحاء أجسادهم، وإطفاء السجائر في أعناقهم وظهورهم.

وبحسب هآرتس، فإن المعتقلين يعطون أرقاماً بدلاً من أسمائهم، ويتم تعريضهم للضرب والإهانة، خاصةً أثناء الاستجواب.

وتضيف الصحيفة أن منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان الإسرائيلية، صنّفت ما يتعرض له المعتقلون في القاعدة بـ"التعذيب المنافي للقانون الدولي".

وعلى إثر ذلك التعذيب، مات ما يزيد على 27 معتقلاً، بحسب ما كشفته هآرتس وأقرّ به الجيش الإسرائيلي فيما بعد.

ما تفعله إسرائيل في قاعدة سديه تيمان دفع أحد الأطباء العاملين في القاعدة إلى إرسال رسالة تحذير للوزراء والنائب العام بأن "جميعنا متورطون في انتهاك القانون".

الطبيب قال إنه فقط في الأيام الـ4 الماضية، بتر أطباء القاعدة سيقان معتقلين اثنين بسبب إصابة من تقيّيد أرجلهم وأيديهم لفترات طويلة جداً، وأضاف أن هذا الأمر "أصبح روتينياً للأسف".

الطبيب قال أيضاً إن المعتقلين المعصوبة أعينهم والمكبلة أيديهم، يجبرون على التغوّط في حفاضات، وعلى تناول الطعام بواسطة شفاطة العصير.

وأضاف الطبيب أنه منذ يومه الأول في تلك القاعدة العسكرية وحتى اليوم "واجهت معضلات أخلاقية خطيرة. وأكثر من ذلك، أكتب [هذه الرسالة] لأحذركم من أن عمليات المرافق لا تتوافق مع قسم واحد من بين تلك التي تتعامل مع الصحة في قانون حبس المقاتلين غير الشرعيين".

الرسالة حذّرت أيضاً من أن معتقل سديه تيمان لا يوفر الحد الأدنى من الرعاية الصحية للمعتقلين، حيث لا يوجد سوى طبيب واحد يرافقه ممرضون لم يحصلوا سوى على تدريب أساسي، وفي بعض الأحيان يكون هذا الطبيب اختصاصي نساء وتوليد أو عظام، وهو ما يؤدي لمضاعفات صحية وسط المعتقلين ووفاة بعضهم.

جندي الاحتياط قال في شهادته إن بعض المحتجزين يعانون من جروح وإصابات، إما بسبب اعتداء الجيش الإسرائيلي عليهم في غزّة، وإما بسبب الظروف الرهيبة التي يحتجزون فيها، والتعذيب الذي يتعرضون له.

وأضاف أن العلاج الطبي يتم توفيره فقط لمن يوشكون على الموت، وحين نقلهم لعيادة المعسكر يتم تكبيل أيديهم في أسرتهم حتى لا يتمكنوا من التحرّك، أو الذهاب للحمام، ويتم إجبارهم على ارتداء حفاضات.

الجندي قال إن الموظفين الطبيين لا يرغبون حقاً في مساعدة المرضى، وعندما يضطرون لعلاج الحالات الخطيرة، يتعمدون سوء معاملة المرضى المعتقلين.

لذلك، تنقل صحيفة هآرتس بأن الحكومة الإسرائيلية أصدرت أوامر مشددة للأطباء بعدم توقيع أي أوراق بأسمائهم الحقيقية، وحظرتهم بالكامل من البوح بأسمائهم لأي من المعتقلين، وهو ما يدل على محاولة إخفاء أثر الجريمة، وحماية الأطباء المذكورين من الملاحقة الدولية.