كيف خلقت غزة استقطابا تاريخيا في الجامعات الأميركية؟

القصة تبدأ من الفصل الأحدث، من خطاب طالبة الهندسة الطبية الحيوية، التي تدعى "أسنا تبسّم".

كان من المفترض أن تُلقي تبسُم خطابها أثناء حفل تخرج الشهر المُقبل، إلا أن جامعة جنوب كاليفورنيا رأت أنها عبر إلغاء الخطاب "تحمي أمن الحرم الجامعي"، بحسب عميد الجامعة، آندرو جوزمان، الذي برر القرار بأنه "لا علاقة له بحرية التعبير".

تبسُم على الجهة الأخرى، ترى أن سبب إسكاتها نابع من "كراهية للمسلمين والفلسطينيين" فضلا عن آرائها المتعلقة بحقوق الإنسان. وتتساءل الطالبة عما إذا كما قرار إلغاء خطابها اتُخذ على أساس أمني فقط.

وفي بيان متعلق بشرح القرار الأول من نوعه في تاريخ الجامعة، بحسب وكالة رويترز، قال جوزمان في بيان: "حدة المشاعر، التي تغذيها كل من وسائل التواصل الاجتماعي والصراع المستمر في الشرق الأوسط، تزايدت لتشمل أصواتا عديدة من خارج جامعة جنوب كاليفورنيا، وتصاعدت إلى حد شكل مخاطر كبيرة تتعلق بالأمن، وبما قد يثير المصاعب في حفل التخرج".

يمكن تتبع الأزمة التي تشير لها تبسُم، للأسابيع الأولى بعد اندلاع الحرب في غزة أكتوبر الماضي.

فمن جهة بدأ الطلاب اليهود والمؤيدين لهم التظاهر في المطالبة بإدانات قوية من جامعاتهم لهجوم حماس. على الجهة الأخرى بدأ طلاب مسلمون وآخرون يؤيدون فلسطين، بالتظاهر ضد الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، فضلا عن دعوتهم للاعتراف بمعاناة الشعب الفلسطيني على مدار عقود.

إدارات الجامعات بدورها بدأت في التحرك بإصدار بيانات متعلقة بالتصعيد، ولكن بحسب وكالة أسوشيتد برس، جذبت تلك البيانات موجات من الانتقادات، إما لكونها لا تُدين حماس على النحو الكافي، أو لأنها لا تدين تزايد القتلى في صفوف المدنيين في قطاع غزة.

تقول صحيفة فاينانشال تايمز إن التوتر السياسي بين الطلاب والموظفين وأعضاء هيئات التدريس في الجامعات الأميركية، وصل لمستوى غير مسبوق منذ حرب فيتنام.

وقالت المسؤولة الأعلى في بيركلي كاليفورنيا، كارول كريست، للصحيفة: "لدينا يهود مؤيدون لإسرائيل، وآخرون مؤيدون لفلسطين، وكل منهم مقتنع بشدة بأنه على حق والآخرون على خطأ. إنهم يشعرون بالألم والغضب ومقتنعون بشدة بكونهم على صواب".

الضغط على الجامعات الأميركية لم يأت من الطلاب الغاضبين، فحسب، فهناك أيضا المانحين وجهات الدعم التي لم يرق لها خطاب الجامعات فيما يخص الصراع في غزة.

سحبت بعض تلك الجهات تبرعات تُقدّر بملايين من الجامعات الأميركية بسبب رد فعلها على هجوم حماس، الأمر الذي دفع بعض الجامعات لمراجعة بياناتها لتكون أكثر صرامة حسب فاينانشال تايمز، بعض الجامعات الأخرى دافعت عن مبادئ الحرية الأكاديمية، وحياد المؤسسة فيما يتعلق بالقضايا السياسية والاجتماعية.

فعلى سبيل المثال أنهت منظمة ويكسنر شراكتها مع كلية كينيدي في جامعة هارفرد، بسبب ما وصفته بـ "فشل" الجامعة في في اتخاذ موقف واضح ضد "قتل المدنيين الإسرائيليين".

بالإضافة إلى المانحين، صب الكونغرس بدوره غضبه على الجامعات. ففي ديسمبر الماضي، عقد الكونغرس جلسة استماع مخصصة لما وصف بـ"معاداة السامية في الجامعات الأميركية".

حضر جلسة الاستماع رئيسة جامعة بنسلفانيا، إليزابيث ماغيل، ورئيسة جامعة هارفارد، كلودين غاي ورئيسة "إم آي تي"، سالي كورنبلوث.

خلال أسابيع من تلك الجلسة تقدمت اثنتان من النساء الثلاثة باستقالة، وذلك بعد أن أثارت مجريات الجلسة الجدل، بعد أن رفضت الرئيسات الإجابة بشكل مباشر على سؤال ما إذا كانت دعوات"إبادة اليهود" تمثل انتهاكا لقواعد السلوك للجامعة.

تحت ضغط الانتقادات الحادة استقالت ماغيل من منصبها بعد أسبوع واحد في ديسمبر، بينما استقالت رئيسة هارفرد، كلودين غاي، بعد بضعة أسابيع في أوائل يناير من العام الجاري.

كلودين غاي، لم تكن الشخص الوحيد الذي تعرض لضغوط في هارفارد.

ففي بداية الحرب وقّع تحالف من ٣٤ منظمة طلابية، بيانا يُحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن أعمال العنف التي بدأت بهجوم حماس في السابع من أكتوبر.

إلا أن البيان لم يعجب الحرم الجامعي، ولا رواد قطاع الأعمال، الذين طالبوا بإعلان أسماء الطلاب الموقعين على البيان لحرمانهم من الوظائف المستقبلية.

تعرض هؤلاء الطلاب لأنماط أخرى من الهجوم، إذ نُشرت أسمائهم على الإنترنت في قوائم تحت عنوان "قائمة الإرهاب الجامعي- دليل مفيد لأصحاب العمل".

كما تمت مشاركة بيانات الطلاب وصورهم الشخصية على شاشات عرض مرفقة بشاحنات تابعة لمجموعات يمينية مؤيدة لإسرائيل، ووصفت تلك الشاحنات الطلاب بـ"رواد معاداة السامية في هارفارد".