الحريديم في الجيش.. العسكرية الإسرائيلية "تتديّن"

يعود إعفاء الحريديم إلى العام 1948، حينما أعفى أول رئيس للوزراء ديفيد بن غوريون، نحو 400 طالب ديني من الخدمة العسكرية، ليتسنى لهم تكريس أنفسهم للدراسة الدينية.

السر وراء هذا القرار هو رغبة بن غوريون في حماية المعرفة والتقاليد اليهودية.

ومنذ ذلك الحين، صارت الإعفاءات مصدر إزعاج متزايدا مع توسع الطائفة سريعة النمو، لتشكل أكثر من 13٪ من سكان إسرائيل، وهي نسبة من المتوقع أن ترتفع إلى نحو 33٪ من إجمالي السكان في غضون 40 عاما بسبب ارتفاع معدلات المواليد بينهم، بحسب رويترز.

وترتكز معارضة الحريديم للانضمام إلى الجيش على إحساسهم القوي بالهوية الدينية، وهو شعور تخشى كثير من الأسر أن يضعف بفعل الخدمة في الجيش.

ويؤدي بعض رجال الحريديم الخدمة العسكرية، لكن معظمهم لا يؤدونها، وهو شيء يشعر الكثير من العلمانيين الإسرائيليين بأنه يفاقم الانقسامات الاجتماعية.

ولا يعمل كثير من رجال الحريديم لكسب المال، بل يعيشون على التبرعات والمعونات الحكومية وعلى أجور زوجاتهم اللائي تعمل الكثيرات منهن بأجور زهيدة غالبا. ويعيش اليهود الحريديم في الغالب في أحياء معظم سكانها من المتدينين ويخصصون حياتهم لدراسة الدين.

بالنسبة للإسرائيليين الملزمين بالخدمة في الجيش والذين تسهم ضرائبهم في دعم الحريديم، فإن الإعفاءات تثير لديهم شعورا بالاستياء منذ فترة طويلة وتزايد هذا الاستياء منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في أكتوبر.

.. لكن ما "سر غزة" الذي يدفع بعض الحريديم للموافقة على التجنيد الآن؟

يفسر أستاذ العلاقات العسكرية في الجامعة المفتوحة في إسرائيل، ياجيل ليفي، ذلك بالقول إن الأكاديميات والمدارس الدينية في إسرائيل توفر نوعا من التعليم يعزز روح الانضمام للجيش عند الشباب، ويركز الجيش الإسرائيلي في دوراته التدريبية عموما على النصائح الدينية التي تعزز دوافعهم للانضمام إلى الأدوار القتالية وكضباط، حسب ما يوضح لصحيفة الغارديان.

تشرح وجهة النظر هذه، ارتفاع التمثيل الديني في الجيش خلال السنوات الماضية، وبالأخص في المناصب القيادية، وتربط الصحيفة بين ارتفاع هذا التمثيل ووجهة نظر المتدينين الذين ينظرون إلى فك الارتباط عن غزة وانسحاب إسرائيل منها في العام 2005 باعتباره فشلا وخيانة، وبالتالي يعتبرون هذه الحرب فرصتهم للعودة إلى القطاع واحتلاله من جديد، بحسب الصحيفة البريطانية.

في المقابل يعتقد نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق يائير غولان، زعيم حزب الديمقراطيين، أن بعض هذه الأكاديميات يعلم "القيم المناهضة للديمقراطية"، بحسب الغارديان.

وينظر كثير من الإسرائيليين إلى الحرب التي يشنها الجيش في غزة، على أنها معركة وجودية من أجل مستقبل إسرائيل. وانضم نحو 300 ألف من قوات الاحتياط إلى القتال. وتشير استطلاعات الرأي إلى وجود تأييد شعبي واسع للغاية لإلغاء إعفاء الحريديم من التجنيد.

وأدى التبادل العنيف لإطلاق النار بين حزب الله والجيش الإسرائيلي عبر الحدود إلى تأجيج هذا النقاش.

بالنسبة لنتنياهو، فالمخاطر كبيرة. فمع أن الرأي العام يبدو مؤيدا لإلغاء الإعفاء، تضم الحكومة الإسرائيلية حزبين دينيين يمكن أن يؤدي انسحابهما من الائتلاف إلى إجراء انتخابات جديدة تشير استطلاعات الرأي إلى أن نتنياهو سيخسرها.

وفي السابق، تعهد حزبان متزمتان دينيا، وهما حزب يهدوت هتوراة (التوراة اليهودي المتحد)، وحزب شاس، بالتصدي لأي محاولات لإلغاء الإعفاء.

وأظهر البعض داخل حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، عدم الارتياح أو المعارضة للإعفاء، ومنهم وزير الدفاع يوآف غالانت، وهو جنرال سابق وعضو بارز في حزب الليكود.

وصوّت غالانت ضد مشروع قانون يسمح بانضمام اليهود المتشددين دينيا إلى الجيش بصورة تدريجية، بدلا من إنهاء إعفائهم بصورة كاملة وفورية.

وجود هؤلاء المتدينين في مناصب عليا في الجيش ربما يقلب الطاولة على إسرائيل، لأن جيشها ربما يتحول إلى ما يشبه المستوطنين في الضفة، هذا ما يتخوف منه بعض المفكرين الإسرائيليين، حسب ما تقول الغارديان.

في الضفة تظهر هذه الأجندة الدينية بكثرة ويمكن رؤيتها بوضوح، فوحدات الجيش العاملة هناك تتكون بشكل كبير من الأشخاص ذوي الخلفيات الدينية القومية.

تتهم هذه الوحدات بالفشل في التدخل في هجمات المستوطنين اليهود العنيفة على سكان الضفة وأراضيهم، ليس ذلك فقط وإنما تتهم هي نفسها بارتكاب جرائم ضد حقوق الإنسان.

ووفقا للغارديان يحذر مسؤولون من أن يتحول الجيش الإسرائيلي كله إلى مؤسسة دينية قومية، يصبح عناصرها أكثر تطرفا.