سياسة

سكوت ريتر في قبضة الـFBI.. بسبب إيران أم روسيا أم غزة؟

نشر

في باكر صباح الأربعاء، استيقظ الأميركي، سكوت ريتر، في منزله على أصوات طرق الباب من قبل عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI وشرطة ولاية بنسلفانيا الذين باشروا باقتحام المنزل وتفتيشه بسبب "مخاوف بشأن الانتهاكات المحتملة لقانون تسجيل العملاء الأجانب"، وصادروا أجهزته الإلكترونية.

آخر ما فعله ريتر قبل مداهمة الشرطة كان مقابلة على موقع يوتيوب انتقد فيها الحرب الإسرائيلية على غزة وخاصة اغتصاب الجنود الإسرائيليين الجماعي لأسرى فلسطينيين ومسارعة المئات من الإسرائيليين للدفاع عن الجنود المغتصبين.

لعلك سمعت بهذا الاسم أو تألف وجهه من ظهوره في مقاطع فيديو واسعة الانتشار في الأشهر الأخيرة على منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وتيك توك وهو ينتقد إسرائيل ويتنبأ بزوالها ويزعم أنها خسرت الحرب.

ريتر ضابط أميركي سابق من فلوريدا له تاريخ ذاخر بالمناصب المرموقة مثل خدمته في استخبارات سلاح قوات مشاة البحرية الأميركية أو كمفتش أسلحة دمار شامل في الأمم المتحدة أو كناقد بارز لغزو العراق وتفنيده لمزاعم أسلحة الدمار الشامل فيها.

لكنه في الوقت نفسه لا تخلو حياته من إثارة الجدل والوقوع في المشكلات، مثل عندما أوقع به ضباط شرطة في عامي 2001 و2009 انتحلوا صفة بنات قاصرات وتحدثوا معه عبر الانترنت ما أدى لحبسه لعام ونصف العام في 2012 بتهمة محاولة إقامة علاقة جنسية مع قاصر.

أو في عام 2022، عندما سارع للتعبير عن دعمه الكامل لروسيا في حربها على أوكرانيا ووصفه الأخيرة بـ"الكلب المسعور" الذي يجب إعدامه وانضمامه كمحلل في قناة روسيا اليوم ووكالة سبوتنيك الروسية، ما أغضب الأميركيين منه ودفع الحكومة الأوكرانية لوصفه بأحد وجوه بروباغندا بوتين.

ريتر كذلك أثار الجدل باتهامه الولايات المتحدة بمحاولة قلب نظام الحكم في إيران، وزيارته روسيا مرات عدة للتعبير عن دعمه لبوتين، وزيارته الشيشان في شهر يناير الماضي لإلقاء خطاب مناصر لروسيا بلغة روسية ركيكة.

السلطات الأميركية صادرت جواز سفره في شهر يونيو الماضي على حد زعمه أثناء محاولته السفر لروسيا للمشاركة في منتدى سانت بطرسبرغ الدولي الاقتصادي.

وقال ريتر إنه يتم استهدافه بسبب مواقفه من الحرب الروسية الأوكرانية ودعمه لتحسين العلاقات بين أميركا وروسيا ونشر السلام على حد تعبيره.

وظهر اسم ريتر جليا في الأشهر الماضية كأحد أشرس منتقدي إسرائيل والحرب الإسرائيلية على غزة وقوله إن إسرائيل خسرت الحرب وأن هجوم "طوفان الأقصى" سيسجل في التاريخ "كأنجح غارة عسكرية في القرن الحادي والعشرين".

فما قصة سكوت ريتر؟ وكيف تقاطع مسار حياته مع جو بايدن وبيل كلينتون قبل عقدين من الزمن؟ وما أبرز مواقفه السياسية التي أغضبت الحكومة الأميركية منه؟

اعرف أكثر

سكوت ريتر أحد ناخبي الحزب الجمهوري وصوت لصالح جورج دبليو بوش في عام 2000. لكن رغم ذلك، بحلول عام 2002، أصبح ريتر أحد أشد منتقدي إدارة بوش بسبب مزاعمها بأن العراق يمتلك مخزونات كبيرة من أسلحة الدمار الشامل أو قدرات التصنيع.

قبل الغزو، صرح ريتر بأن الحكومتين الأميركية والبريطانية كانتا تستخدمان مزاعم وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق كذريعة سياسية للحرب.

الضابط الاستخباراتي السابق كان يتحدث من واقع تجربة عميقة شخصية من خدمته في سلاح المشاة البحري الأميركي منذ عام 1980 حتى عام 1991، وكانت العراق أحد دول اختصاصه.

فخلال عملية "عاصفة الصحراء" 1991، عمل كمحلل استخبارات الصواريخ الباليستية تحت قيادة الجنرال نورمان شوارتزكوف، وقدم ريتر تقارير داخلية متعددة تطعن في ادعاء شوارتزكوف بأن الولايات المتحدة دمرت نحو 16 من قاذفات صواريخ سكود العراقية المتنقلة التي تقدر بنحو 20 منصة.

كما عمل ريتر لمدة 7 سنوات كمفتش أسلحة في الأمم المتحدة في بعثة كُلِّفت بالعثور على جميع أسلحة الدمار الشامل والقدرات التصنيعية المرتبطة بأسلحة الدمار الشامل في العراق وتدميرها.

سكوت كان مفتشا رئيسيا في 14 من أكثر من 30 مهمة تفتيش شارك فيها في العراق وكان من بين مجموعة من مفتشي الأسلحة في لجنة الأمم المتحدة الخاصة الذين نقلوا بانتظام صور طائرة لوكهيد يو-2 إلى إسرائيل للتحليل.

كما كانت له علاقات مهنية مقربة وطويلة بوحدة الاستخبارات العسكرية البريطانية السرية MI6 وعمل كمستشار أمني وعسكري لشبكة فوكس نيوز.

لذلك، عندما هاجم ريتر إدارة بوش وقال إنه لا توجد أسلحة دمار شامل في العراق، كان يتحدث من موقع ثقة ومعرفة مهنية طويلة، ما أعطى ثقلا لتصريحاته في الإعلام الأميركي حينها.

وزاد سكوت على ذلك في فبراير 2005، عندما أبدى دعمه للفصائل العراقية وقال إنه "حركة تحرير وطنية شعبية حقيقية"، وأن "التاريخ سوف يصور في نهاية المطاف جهود الفصائل العراقية لزعزعة استقرار وهزيمة، ما وصفه بـ(قوات الاحتلال الأميركية وحكومتها العراقية المتعاونة المفروضة عليها) باعتبارها جهودًا مشروعة".

وفي عام 2012، قال ريتر إن الولايات المتحدة "أفلست أخلاقيا وماليا بسبب هذه الحرب. الولايات المتحدة هي أضحوكة العالم".

القدر جمع بين الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن ومفتش الأسلحة الأممي السابق سكوت ريتر عام 1998 في جلسة استماع في الكونغرس عندما كان بايدن سيناتور.

سبب ذلك اللقاء بين الرجلين كان قيام ريتر بتقديم استقالته من بعثة تحقيق الأمم المتحدة للتفتيش عن الأسلحة في العراق في أغسطس 1988 وزعمه أن بغداد بإمكانها إعادة بناء قدرات أسلحتها الكيميائية والبيولوجية والصواريخ البالستية البعيدة في فترة قياسية بعد قيامها بمنع دخول فريق التفتيش لبعض مواقع الأسلحة.

الحكومة العراقية بررت منع الفريق بالقول إن المعلومات التي تم الحصول عليها من هذه المواقع المحددة سوف تستخدم في التخطيط لهجمات مستقبلية.

واتهم ريتر مجلس الأمن والولايات المتحدة بالإخفاق في فرض قرارات ما بعد حرب الخليج المصممة لنزع سلاح العراق.

وقال سكوت إن وزيرة الخارجية مادلين ك. أولبرايت من المفترض أنها "منعت عمليات تفتيش أكثر في عام 1997 مما فعل صدام حسين"، وهي التهمة التي نفته الوزيرة.

الإدارة الأميركية تحت بيل كلينتون فاستخدمت استقالة ريتر ومنع العراق وصول محققي البعثة الأممية لتفتيش مقر قيادة حزب البعث كذريعة لإطلاق عملية ثعلب الصحراء في ديسمبر 1998.

واستخدمت تلك العملية بالفعل معلومات جُمعت لغرض نزع السلاح في تحديد أهداف عسكرية من شأنها أن تقلل من قدرة العراق على شن حرب تقليدية وربما غير تقليدية.

استقبل الكونغرس الأميركي ريتر بعد استقالته بشهر واحد في 3 سبتمبر 1998 للإدلاء بشهادته، حيث سأله السيناتور جو بايدن عن موقفه من عمليات التفتيش وما إذا كان المفتش يحاول الاستيلاء على "السلطة لتحديد متى يتم سحب زناد القوة العسكرية ضد العراق".

الديمقراطيون في مجلس الشيوخ قاموا بهجوم مضاد على ريتر وانتقاده لإدارة كلينتون واتهموه بالإخفاق في "رؤية الصورة الأكبر"، بينما وصف الجمهوريون تصريحات سكوت بأنها "ضارة للغاية بمصداقية إدارة كلينتون في إحدى سياساتها الخارجية الأساسية".

هذا يعني أن ريتر راكم على مر السنين معاداة الحزب الديمقراطي أولاً لإحراجه كلينتون ووزيرة خارجيته وسياساته الخارجية، ثم معاداة الحزب الجمهوري لانتقاده مزاعم إدارة بوش حول العراق وتفنيدها.

في شهر فبراير الماضي، خلال لقاء مع سكوت ريتر، انفجر الضابط الأميركي السابق بالبكاء أثناء حديثه عن قتل إسرائيل للطفلة هند رجب التي لم تتجاوز من العمر أربع سنوات.

ريتر وصف اللحظات المرعبة الأخيرة التي عاشتها هند في السيارة مع أقاربها الذين قتلتهم الدبابات الإسرائيلية بالرصاص أمام أعينها قبل أن تقوم بالاتصال بالطوارئ للتوسل لنجدتها.

وقال سكوت بأعين دامعة "تخيل لو كانت هذه ابنتك تتصل بأحدهم للتوسل للمساعدة" ثم اتهم إسرائيل باستخدام الطفلة "كطعم" والتنصت على المكالمة ومعرفة أن الطفلة عالقة هناك ومن ثم إعطاء الإذن لطواقم الإسعاف للوصول للمكان قبل إطلاق النار عليهم وقتلهم.

وقال ريتر قبل مداهمة الشرطة لمنزله بيوم "لقد أصبحت إسرائيل، حرفياً، أسوأ تجسيد لما يمكننا أن نتخيله عن ألمانيا النازية في الماضي".

خلال الحرب على غزة، ظهر الضابط الاستخباراتي السابق كأحد أبرز نقادي إسرائيل ليس فقط بسبب أسلوب إدارتها للحرب والجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين، بل أيضاً على الصعيد العسكري حيث واظب سكوت على السخرية من أداء الجيش الإسرائيلي والقول بأنهم خسروا الحرب.

وقال سكوت في مايو إن إسرائيل لم تقم بالتخطيط لأي من جوانب حربها على غزة ولم يكن جيشها جاهزاً لما قامت به حماس من "عبقرية" بينما حماس خططت جيداً للحرب.

وأضاف أن حماس لم تقم بالانتصار قط على حماس، وإنما قامت فقط باحتلال بقاع من الأرض في غزة بشكل مؤقت وأن حماس تعاود النهوض من أي منطقة تخرج منها إسرائيل. وزعم أن إسرائيل خسرت المعركة فوق الأرض وتحت الأرض.

وسخر سكوت في شهر يوليو من تهديدات إسرائيل بحرب على حزب الله وقال إنه لم يعد لديهم القدرة على قتال حزب الله بعد إنهاك جنودها ومعداتها وذخيرتها بالكامل في غزة وانهيار معنويات الجيش.