عصر آسيوي أو قوى متعددة.. هل نشهد عالما دون "غرب"؟

حينما انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945، انتقلت القوة الغربية من بريطانيا إلى الولايات المتحدة، مع تنافس مع قوة أخرى هي الاتحاد السوفيتي الذي تفكّك عام 1991، وأصبحت القوة في يد الغرب، بقيادة الولايات المتحدة.

لكن الأمر بعد أكثر من 30 عاما لم يعد كذلك، بحسب رؤية بعض الباحثين والمفكرين، وأبرزهم سمير بوري زميل تشاتام هاوس البريطاني، ومندوب سنغافورة السابق لدى الأمم المتحدة كيشور محبوباني.

يطرح سمير بوري في كتابه "The Great Global Rebalancing: Westless" أو "اللاغربية: إعادة التوازن العالمي العظيم"، رؤية مفادها بأن القوة الغربية تتراجع.

على الرغم من ذلك، فالتأثير الغربي سيبقى، لكن الأمور تتجه إلى عالم أقل غربية، ويشير إلى أن هناك انتقالا جاريا من عصر النفوذ الغربي العالمي الجامح، إلى عصر النفوذ الغربي المتنازع عليه، بحسب ما يطرح في فورين بوليسي وفي شرح مختصر لكتابه.

ويبرهن بوري على ذلك، ليس فقط في صعود الصين وروسيا؛ لكن بوجود كيانات عالمية جديدة، مثل "بريكس"، وكذلك شركاء للغرب مثل الهند وتركيا، بالإضافة إلى وجود بعض القادة الأوروبيين الذين يضعون دولهم في المقدمة، مثل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، بحسب مقالته في "نيكيه آسيا" اليابانية.

على الجانب الآخر، فإن كيشور محبوباني يرى أن القرن الحالي هو قرن آسيا، وذلك في عددٍ من المؤلفات؛ أبرزها "القرن 21 الآسيوي"، الذي يشير فيه إلى أن نسيج القرن الحالي سيختلف عن القرنين السابقين في 3 أبعاد مهمة هي:

1. نهاية عصر الهيمنة الغربية على تاريخ العالم.
2. عودة النجاح إلى العديد من المجتمعات الآسيوية، خصوصا الصين والهند.
3. العالم يعيش في قرية عالمية صغيرة مترابطة بكثافة.

يرى سمير بوري أن التركيبة السكانية، والقدرة على حل الصراعات العالمية، والقوة الأخلاقية، والقدرة على وضع المعايير، وجذب الانتباه، وحل الأزمات؛ تدلل على تراجع الغرب.

ويضرب بوري مثالا واضحا على ذلك بالحرب على غزة، فقد واجه الغرب انتقادات عالمية لدعمه إسرائيل، بل واستخدمت هذه الانتقادات أحياناً لغة "مقاومة الاستعمار الاستيطاني" لانتقاد إسرائيل ومن يدعمونها في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، بحسب مقالته على فورين بوليسي.

ويحذّر بوري من إسكات هذه الانتقادات لأنها ستتزايد، في المستقبل، مدللا على ذلك بالدعوة التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، التي جذبت لاحقا دعم عدد من الدول الأخرى.

وفي حرب أوكرانيا، فإن العقوبات الغربية لم تردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ إنه واصل التجارة مع الصين والهند ودول البريكس الأخرى، فضلا عن تركيا وإندونيسيا وغيرهما، علاوة على أن هذه الدول دعت إلى إنهاء الحرب عبر التفاوض عكس الغرب الذي دعا إلى وجوب هزيمة موسكو في أوكرانيا.

ويشير هنا إلى أنه في حال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فإنه قد يعقد صفقة سلام، ستعني ضربة للتجسيد الغربي العالمي، بحسب مقاله في نيكيه آسيا.

في حديثه على بودكاست "End game" يشير محبوباني إلى أن مجلس الأمن الدولي، الذي ترأسه في إحدى الفترات، هو أقوى مؤسسة دولية، لكنّ بقاءها يحتاج إلى حصول القوى الكبرى المستقبلية على مقعد دائم بدلا من القوى الكبرى المرتبطة بالماضي، نظرا لمرور 80 عاما على إنشاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

وبالتالي، من وجهة نظر محبوباني، فإن فرنسا وبريطانيا لم تعودا قوى كبرى كما كانا في الماضي، وعلى لندن التخلي عن مقعدها الدائم لحساب الهند، مبررا الأمر بأن المملكة المتحدة لم تعد ضمن أكبر الاقتصادات العالمية، في حين أن نيودلهي قوية بما فيه الكفاية لذلك، بالإضافة إلى أن تخلي لندن عن مقعدها يحررها من القيود الأميركية.

وتحتل الهند المرتبة الخامسة عالميا في قائمة الاقتصادات الأكبر في العالم، تسبقها كل من الولايات المتحدة والصين وألمانيا واليابان، بحسب مجلة فوربس، اعتمادا على الناتج المحلي الإجمالي.

ورغم اعتراف محبوباني بفضل الغرب في تحديث العالم من خلال التكنولوجيا، لكنه يشير إلى أن تمكّن بقية الدول من فعل ما يفعله الغرب أدى إلى تراجع قوته، وأنه بات عليه التأقلم بذكاء مع ذلك.

ويضرب محبوباني المثل على ذلك بقيادة صندوق النقد الدولي القادمة من أوروبا والبنك الدولي الذي يقوده أميركيون منذ أربعينيات القرن الماضي، لكن الوضع الحالي يشير إلى تقدم دول آسيوية اقتصاديا ولا تحصل على مثل هذه المناصب.