ترامب "التوسعي".. "تكتيك" أم تهديد؟

أمضى ترامب يوم الميلاد بكتابة منشورات على موقعه الإلكتروني "تروث سوشال" بلغ عددها نحو 30، كان أبرزها متعلقا بتهديدات.

وشملت منشوراته مسألة شراء غرينلاند وتذمره من الرسوم التي تدفعها السفن الأميركية خلال عبورها قناة بنما، مكررا مطالبته بسيطرة الولايات المتحدة على القناة، إذ أشار إلى أن الصين تمارس نفوذا "غير قانوني" على الممر المائي المهم بينما واشنطن تصرف مليارات الدولارات على "صيانة" القناة، دون أن يكون بإمكانها التدخل في "أي شيء" على الإطلاق.

والثلاثاء، في إشارة إلى قناة بنما وغرينلاند، قال ترامب للصحافيين "يمكنني أن أقول ذلك: نحتاج إليهما من أجل الأمن الاقتصادي". وأضاف "لن أعلن التزامي بذلك (أي عدم القيام بتحرك عسكري). قد تضطر للقيام بأمر ما".

ووصف ترامب، الإثنين، غرينلاند (الإقليم الدنماركي المتمتع بالحكم الذاتي) بأنها "مكان رائع" متعهدا بأنها ستزدهر حال ضمها إلى الولايات المتحدة.

لم تسلم جارته أيضا، إذ وصف ترامب رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو بأنه "حاكم" كندا، قائلا إنه في حال أصبحت كندا "ولايتنا رقم 51، فإن ضرائبها سوف تنخفض بأكثر من 60%" و"سوف تتضاعف أعمالها على الفور".

والإثنين، قال ترامب في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي "إذا اندمجت كندا مع الولايات المتحدة، فلن تكون هناك تعريفات جمركية، وستنخفض الضرائب بشكل كبير، وستكون كندا آمنة تماما من تهديد السفن الروسية والصينية التي تحيط بها باستمرار".

تهديدات ترامب عبرت البحار أيضا نحو قطاع غزة، مجددا ما قاله سابقا إن "أبواب الجحيم ستنفتح على مصراعيها" إذا لم تطلق حماس سراح الرهائن بحلول موعد تنصيبه في 20 يناير.

رئيسة وزراء الدنمارك، ردت الثلاثاء بالقول إن مستقبل غرينلاند يقرره سكانها. وقالت ميت فريدريكسن للقناة التلفزيونية الثانية إن الإقليم الواقع في القطب الشمالي "ليس للبيع" مع وصول دونالد ترامب جونيور، ابن الرئيس الأميركي المنتخب، إلى الجزيرة.

وتضم غرينلاند مخزونات كبيرة من المعادن والنفط رغم أن التنقيب عن النفط واليورانيوم محظور في الجزيرة التي تحتل موقعا استراتيجيا في القطب الشمالي، حيث توجد في الأساس قاعدة عسكرية أميركية.

كان للرئيس البنمي خوسيه راوول رد قوي على ترامب أيضا إذ قال في مؤتمر صحافي "لا يوجد شيء نتحدث عنه"، مضيفا "القناة بنمية وتنتمي إلى البنميين. ولا إمكانية لفتح أي نوع من المحادثات حول هذا الواقع الذي كلف البلاد دما وعرقا ودموعا".

والقناة التي افتتحت عام 1914 وتربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ، أنشأتها الولايات المتحدة وسلمتها إلى بنما في 31 ديسمبر 1999 بموجب معاهدة وقعها عام 1977 الرئيس الأميركي جيمي كارتر والزعيم القومي البنمي عمر توريخوس.

أما كندا فكان ردها الأولي أقل حدة، ففي مقابلة مع بودكاست "بلاي بوك ديب دايف" التابع لـ "بوليتيكو"، قالت كيرستن هيلمان، سفيرة البلاد لدى الولايات المتحدة "أعتقد أن الرئيس المنتخب يمزح بعض الشيء. كندا قادرة على تقبل ذلك".

ولاحقا، قال رئيس الوزراء الكندي المستقيل جاستن ترودو ووزيرة خارجيته ميلاني جولي، الثلاثاء، إن أوتاوا "لن تنحني" أمام تهديدات ترامب.

وقالت جولي إن "تصريحات الرئيس المنتخب ترامب تظهر عدم فهم كامل لكون كندا بلدا قويا. لن ننحني أبدا في مواجهة التهديدات"، بينما شدد ترودو على أن "كندا لن تكون أبدا، على الإطلاق، جزءا من الولايات المتحدة".

حركة حماس تمسكت بمطلبها، الثلاثاء، بأن تنهي إسرائيل هجومها على قطاع غزة بالكامل بموجب أي اتفاق لإطلاق سراح الرهائن.

وقالت إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب كان متسرعا في القول إنه سيكون هناك "ثمن باهظ" ما لم يتم إطلاق سراحهم بحلول موعد تنصيبه في 20 يناير.

تقول صحيفة الغارديان إن ترامب اعتاد تحويل ما لا يمكن التفكير به إلى ما يمكن تصوره ثم إلى "ما لا مفر منه".

ريد جالن، رئيس ائتلاف "جوين ذا يونيون" المؤيد للديمقراطية، قال للصحيفة "علينا أن نأخذه (ترامب) على محمل الجد. إذا ظهر في كوبنهاغن بشيك بقيمة تريليون دولار لشراء غرينلاند، ربما يقبل الدنماركيون - لا أعلم. لكن تذكروا أيضاً أن هذا شخص لم يدفع ثمن أي شيء في حياته فعلياً، لذلك عندما يقول: أريد شراءه، فالأمر لا يسير بهذه الطريقة".

أدلى ترامب بالعديد من التصريحات المتهورة خلال فترته الأولى في البيت الأبيض، التي لم تثمر عن شيء، بما في ذلك اقتراح قصف الأعاصير بالقنابل النووية لمنعها من الوصول إلى الولايات المتحدة. ومع ذلك، تبدو الأمور مختلفة في المرة الثانية، بحسب الصحيفة التي أشارت إلى أن ترامب أطلق عليه لقب "قيصر أميركا"، حيث يبدو أكثر جرأة وتنظيما.

لا يعتقد الكثير من الخبراء أن يعلن ترامب الحرب على كندا أو الدنمارك أو بنما، لكنهم يرون مزيجا من التهديد والمناورة بهدف زعزعة استقرار الحلفاء وتحقيق مكاسب أصغر.

هذا السلوك القاسي يتناقض بشكل صارخ مع مدح ترامب المتكرر لقادة مثل فلاديمير بوتين، رئيس روسيا، الذي خاض حربا ضد أوكرانيا في عام 2022 بهدف توسيع نفوذه الإقليمي.

تهديدات ترامب تجاه بنما، وخططه لـ"غزو ناعم" للمكسيك يستهدف مصنعي المخدرات من خلال عمليات قوات خاصة عبر الحدود أو ضربات بالطائرات المسيرة، من المرجح أن تثير ذكريات سيئة عن الولايات المتحدة لدى قادة أميركا اللاتينية، وقد تدفع البعض إلى التقارب مع الصين، وفق الغارديان.

وتبدو رغبة ترامب المفاجئة بـ"التوسع" غريبة بشكل مضاعف، لأنه انتقد بشدة "أعمالا عسكرية سابقة لأميركا في الخارج"، إذ هاجم غزو جورج دبليو بوش للعراق، وتفاخر بأنه لم يدخل الولايات المتحدة في أي حروب جديدة خلال فترة رئاسته.

مدير مركز دراسة السياسة والحكم في جامعة مينيسوتا، يقول للصحيفة البريطانية "إنه يطلق سلسلة من التهديدات الفاضحة والمستحيلة التنفيذ"، موضحا أن ترامب "يرى كل ذلك كتكتيك لتعطيل الوضع الراهن وتحسين موقف التفاوض لصالح البيت الأبيض".