"كينونة المرأة وطبيعتها البيولوجية والنفسية لا تتناسب مع كل الوظائف كوزارة الدفاع".. هذا التصريح صدر عن المتحدث الرسمي باسم الإدارة السياسة التابعة لإدارة العمليات العسكرية للفصائل المسلحة في سوريا، عبيدة أرناؤوط، ليثير الجدل وغضب النساء السوريات حول حرية عملهن في مجالات معينة تحت حكم السلطة الجديدة في سوريا التي لطالما رفعت شعار الحرية قبل وبعد إسقاط حكم الرئيس بشار الأسد.
وعلى إثر هذا التصريح تجمع مئات السوريين الخميس وسط العاصمة دمشق مطالبين بالديمقراطية وحقوق المرأة، بحسب وكالة فرانس برس.
وكان المتظاهرون يهتفون في ساحة الأمويين بشعارات مثل: "نريد دولة ديمقراطية وليس دولة دينية"، و"سوريا حرة مدنية" و"الشعب السوري واحد"، في حين رفع بعض المتظاهرين لافتات كتب عليها: "لا وطن حر بدون نساء حرات".
أرناؤوط قال إن "تستلم المرأة ولاية قضائية هو محل بحث لدى المختصين"، ما أثار قلق إحدى القاضيات في سوريا، التي طلبت عند حديثها مع بلينكس عدم ذكر اسمها بسبب مخاوف من ملاحقات أمنية، حول مستقبل عملها وحريتها.
أول مؤشر أقلق النساء في سوريا من السلطة الجديدة كان قبل هذا التصريح أساسا، فالحكومة السورية الانتقالية التي تشكلت فور سقوط حكم الأسد في 8 ديسمبر، برئاسة محمد البشير، لم تضم أي امرأة، كما لم تضم شخصيات معارضة سورية بارزة تصنف بالمعتدلة.
من عيّن البشير وحكومته هو أبو محمد الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام، التي قادت الفصائل المسلحة وسيطرت على السلطة في سوريا.
تعيين أول إمراة
رغم ذلك يبدو أن إدارة الشؤون السياسية التابعة للحكومة الموقتة السورية، تحاول التخفيف من هذه المخاوف، فهي أعلنت، الجمعة، عن تعيين عائشة الدبس مسؤولة عن مكتب شؤون المرأة، لتكون بذلك أول امرأة تشغل منصبا رسميا في الإدارة الجديدة.
ونشرت الإدارة على حسابها في منصة "إكس" صورة للدبس مع رقم هاتفها في حال الرغبة بالتواصل "مع مكتب شؤون المرأة في إدارة الشؤون السياسية والذي يعنى بالمجال الحقوقي والاجتماعي والثقافي والسياسي للمرأة السورية".
فما أبرز ما يقلق النساء في سوريا؟ وماذا كشفت إحدى القاضيات لبلينكس عن اجتماعها مع "شيخ من الهيئة"؟ وكيف تفاعل السوريون مع حديث أرناؤوط؟
اعرف أكثر
تصريحات أرناؤوط تضمنت تطمينات لحرية المرأة في سوريا من جهة، وتلميحات بقيود من جهة أخرى، واختصرها بعض السوريين عبر مواقع التواصل بمَثَل سوري شهير يقول "خد وعين".
ففي مقابلة تلفزيونية، يقول أرناؤوط "المرأة قادرة على أن يكون لها دورها الهام في المجتمع بدءا من التربية والتعليم وانتهاء بمناصب يمكن لها أن تؤدي حقها.. الناس أحرار".
عكست تصريحات مسؤول الهيئة بعض الضبابية، فبينما يشير إلى أنه "طالما أن المرأة لديها القدرة على إشغال أي منصب من المناصب التي يمكن أن تقوم بها.. نحن نرى أن لها الحق في ذلك"، يضيف من ناحية ثانية، "هناك بعض الأمور التي يمكن أن تكون في الإدارات العليا.. هذه تحتاج إلى ما يتمخض عنه من اللجنة الدستورية، بحيث يستطيعون أن يضعوا بعض المحددات لعمل المرأة في الإدارات العليا".
وفي ذات الوقت يقول أرناؤوط إنه لن يفرض على النساء في سوريا ارتداء الحجاب.
ويشير "ليس من الصواب أن تستخدم المرأة السلاح أو أن تكون في مكان معين لا يتناسب مع قدراتها وتكوينها وطبيعتها".
"أن تستلم المرأة ولاية قضائية.. هذا يمكن أن يكون محط بحث ودراسة لدى المختصين"، بحسب أرناؤوط، مشيرا إلى أنه من المبكر الحديث عن هذا الأمر.
ما قاله المسؤول أثار مخاوف إحدى القاضيات السوريات التي عبرت لبلينكس عن قلقها بخصوص مستقبلها المهني في ظل مثل هذا التصريح.
وقالت القاضية إنها اتفقت مع زميلاتها من القاضيات لإثارة الموضوع مع "الشيخ" المسؤول عن المحكمة التي يعملن بها.
وتكشف أنها دخلت مع زميلاتها الـ10 إلى غرفة الشيخ المسؤول عن إدارة أمور المحكمة، عوضا عن المحامي العام، صباح الثلاثاء، وتحدثت معه حول مخاوف القاضيات، مشيرة إلى أنه أكد أن "المرأة ستعامل باحترام وأنه قال لهن: "ما رح يصير عليكم شي" وطمأنهم بأنه سيتم التعامل معهن كما يتم التعامل مع القضاة الرجال، ونقلت عنه قوله "اللي بصير عليهم بيصير عليكن"، و"أنتن أخواتنا".
وتقول لبلينكس "يوم بكون مطمئنة ويوم ما بكون مطمئنة.. نحن تائهات"، لكنها تؤكد "ما رح نسكت" في ظل "التخبط" الحاصل.
وذكرت حادثة، تناقلتها وسائل إعلام، عن قيام أحد شيوخ الهيئة بالطلب من إحدى "زميلاتنا" في مدينة حمص بارتداء الحجاب قبل دخول المحكمة، معتبرة ما جرى أنه "حالة فردية".
القاضية تؤكد أنها بانتظار قرارات رسمية حول عمل القطاع القضائي، معتبرة أن حديث الشيخ لا يمثل مجلس القضاء الأعلى في سوريا، وأن كل ما يحدث ويجري الحديث عنه، غير رسمي.
والعمل القضائي في سوريا معلق في الوقت الحالي حتى بداية العام 2025 بحسب القاضية.
انعكس غضب السوريين عبر موقع فيسبوك إثر تعليقات أرناؤوط، وعبروا عن استهجانهم بمنشورات وتعليقات كثيرة على ما قاله.
الممثلة السورية يارا صبري، وهي كانت معارضة للرئيس الأسد، كتبت منشورا عبر صفحتها على فيسبوك يتضمن سخرية مما قاله أرناؤوط، ورفض لأي نهج يحد من دور المرأة.
ويقول أحد الناشطين على الفيسبوك "لا يعلم هذا المتحدث المحترم أن دور المرأة السورية السياسي والاقتصادي والاجتماعي قديم قدم الأزل على مدى 10 آلاف سنة من عمر الحضارة والتاريخ"، وأنها "ملكة ومغنية ومدرسة وطبيبة ولن أتحدث عن عشتار وجوليا دومنا وزنوبيا وغيرهن العشرات".
وتؤكد امرأة سورية "ما في شي بالفروقات البيولوجية بيمنع المرأة تكون شريكة متساوية ببناء البلد".
ويطالب آخر "ماعاد بدنا نشوفك طالع عالإعلام".
وتعلق إحداهن "شو بدهن يحاولو يوصلولنا بعد أكتر من إشارة متشددة شفناها الله العليم بس بتمنى تكون انتقالية هالحكومة عنجد... لأن إذا هيك الوضع بصير بدا ثورة تانية".