ماسك ضد ترامب مجددا.. هل يولد حزب ثالث من ركام الجمهوريين؟
"إن DOGE هو الوحش الذي قد يعود ليأكل إيلون".. بهذه العبارة الساخرة، أطلق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، شرارة مواجهة جديدة مع أغنى رجل في العالم، إيلون ماسك، في معركة خرجت من كواليس السلطة لتتخذ شكلًا علنيًا وغير مسبوق على منصات التواصل.
المعركة لم تدم شهرًا بعد هدنة هشة، سرعان ما انهارت على وقع مشروع قانون ضخم يحمل اسمًا لافتًا: "القانون الكبير الجميل".
لكن ما الذي حدث؟ ولماذا انقلب الحليفان السياسيان؟ وهل باتت المعركة بين ترامب وماسك أكثر من مجرد خلاف شخصي لتصبح تهديدًا حقيقيًا لهيمنة الحزبين الكبيرين في أميركا؟
الملياردير الذي أنفق نحو 300 مليون دولار لدعم ترامب والجمهوريين في انتخابات 2024، خرج اليوم ليعلن التمرد عليهم، مهددًا بتأسيس "حزب أميركا"، ودعم مرشحين مناوئين داخل الحزب الجمهوري، ومتوعدًا كل من صوّت لمشروع القانون بـ"خسارة مقعده" في الانتخابات التمهيدية.
في المقابل، ردّ ترامب بسلسلة تهديدات طاولت مستقبل شركات ماسك، وبلغت حد التلميح بترحيله من البلاد.
هي معركة سياسية، واقتصادية، وانتخابية بامتياز، تدور على أكثر من جبهة: من الكونغرس إلى الأسواق، ومن منصات التواصل إلى عناوين كبرى الصحف، وصولًا إلى دهاليز "DOGE" إدارة كفاءة الحكومة التي أنشأها ترامب وترأسها ماسك سابقًا، والتي عادت إلى الواجهة كسلاح محتمل ضد من كان بالأمس أحد أركان الإدارة.
فهل نشهد ولادة فعلية لحزب ثالث يقوده ماسك؟ وهل يملك فعليًا القدرة على تفكيك الحزب الجمهوري من الداخل؟ أم أن تهديداته لا تعدو كونها ردود فعل عاطفية ستخفت مع مرور الوقت؟
من "الحليف الأهم" إلى العدو العلني
بدأت العلاقة بين ترامب وماسك بمستوى وُصف حينها بـ"الانسجام الكامل"، حين عيّنه ترامب في منصب رئيس "إدارة كفاءة الحكومة" (DOGE)، حيث أشرف ماسك على مبادرة لتقليص التكاليف في الوكالات الفيدرالية، وقدّرت "واشنطن بوست" أنها وفّرت 190 مليار دولار من الإنفاق الحكومي.
لكن الأمور انقلبت منذ مغادرة ماسك المنصب في أواخر مايو، بحسب تقرير سي إن إن. بدأت الانتقادات تتصاعد ضد مشروع "القانون الكبير الجميل"، إلى أن انفجرت الخلافات مطلع يونيو، حين تبادل الطرفان الشتائم والاتهامات، قبل أن يعبّر ماسك عن ندمه ويهدأ التوتر مؤقتًا.
غير أن شرارة التصعيد عادت مع إعلان مجلس الشيوخ بدء مناقشة المشروع، فخرج ماسك من صمته، وبدأ حملة منشورات انتقادية على منصة إكس، تلتها تهديدات ترامب المتتالية.
وفي تصريح للبيت الأبيض، قال ترامب إن ماسك "قد يخسر أكثر من الإعانات"، ملمحًا إلى إمكانية ترحيله من البلاد، وفق ما نقلته بلومبرغ.
ترامب كتب على Truth Social "إيلون قد يكون حصل على إعانات أكثر من أي إنسان في التاريخ، ومن دونها كان عليه أن يغلق أعماله ويعود إلى جنوب أفريقيا"، وهو تصريح أثار جدلًا واسعًا، ورافقه تراجع بنسبة 4% في أسهم تسلا صباح اليوم التالي، بحسب سي إن بي سي.
"حزب أميركا": هل يملك ماسك فعليًا أدوات كسر الحزب الجمهوري؟
هدد ماسك مرارًا في الأيام الأخيرة بتأسيس "حزب أميركا"، وقال عبر إكس "بلدنا بحاجة إلى بديل عن الحزب الواحد الديمقراطي-الجمهوري، حتى يكون للشعب صوت فعلي".
وبحسب نيويورك تايمز، أعلن دعم مرشحين مناوئين للجمهوريين، وعلى رأسهم النائب توماس ماسي من كنتاكي، الذي رفض مشروع القانون وأغضب ترامب.
كما هاجم شخصيات جمهورية بارزة مثل ماركواين مولن، واصفًا الحزب الجمهوري بـ"حزب بوركي بيغ"، في إشارة ساخرة إلى شخصية كرتونية، وفق ما أوردت واشنطن بوست.
ومع أن ماسك قال سابقًا إنه سيخفض إنفاقه السياسي في 2026، إلا أنه أعاد تفعيل نشاطه الانتخابي، مطلقًا استطلاعًا سأل فيه متابعيه: "هل حان الوقت لإنشاء حزب سياسي جديد يمثل فعليًا الـ80% من الناس في الوسط؟".
رغم ذلك، وصفت وول ستريت جورنال تهديداته بأنها طموحة لكنها غير واقعية، ونقلت عن جيمس فيشبك، مستشار سابق لـ"DOGE"، قوله إن الحزب الثالث بقيادة ماسك "سينتهي بفشل ذريع"، وإن الناخبين سيصوّتون لصالح مشروع ترامب لأنه يشمل "خفضًا بقيمة 1.2 تريليون دولار وتأمينًا للحدود وإصلاحات للرعاية الصحية".
لكن بحسب نيويورك تايمز، فإن ماسك لا يبدو عازمًا فقط على تهديد الجمهوريين، بل يسعى فعليًا لتفكيك هيمنتهم، إذ توعّد بأن "أغلب أعضاء الكونغرس الجمهوريين سيخسرون في الانتخابات التمهيدية، ولو كان هذا آخر ما أفعله في حياتي".
هل يستخدم ترامب الحكومة لمعاقبة شركات ماسك؟
ترامب، الذي سبق أن اعتمد على ماسك لقيادة "إدارة كفاءة الحكومة"، هدّد صراحة باستخدام هذه الإدارة لمراجعة العقود والإعانات التي تستفيد منها شركاته.
وقال من البيت الأبيض، وفقًا لسي إن إن وبلومبرغ" قد نرسل DOGE لإيلون.. إنه الوحش الذي قد يعود ليأكله".
وذكرت سي إن بي سي أن سهم "تسلا" تراجع بنسبة 4% صباح الثلاثاء، بعد منشورات ترامب التي لمح فيها إلى قطع الإعانات الفيدرالية عن شركات ماسك، ومنها تسلا وسبيس إكس وxAI.
وبحسب بيانات من واشنطن بوست وبلومبرغ، فإن هذه الشركات تعتمد بشكل كبير على السياسات الحكومية، بما في ذلك الحوافز الضريبية بقيمة 7500 دولار على المركبات الكهربائية، ومليارات من "الاعتمادات التنظيمية" التي ساهمت في رفع أرباح تسلا عام 2023.
"ماسك غاضب جدًا من فقدان تفويض المركبات الكهربائية"، قال ترامب، مضيفًا أن خسائره قد تتجاوز بكثير تلك الحوافز، وسط تحركات لإلغاء معايير الانبعاثات وسحب صلاحيات الولايات في تحديد قواعدها البيئية.
وفي منشور لاحق، أعاد ماسك نشر صورة لـ"بينوكيو" مع كلمة "كاذب"، وكتب: "أي شخص وعد بخفض الإنفاق واستمر بالتصويت لأكبر زيادة في سقف الدين في التاريخ، سيظهر وجهه على هذا الملصق في الانتخابات التمهيدية"، بحسب ما نقلت واشنطن بوست.
من جهته، أكد ماسك عبر إكس أن اعتراضه ليس بسبب سحب الإعفاءات فحسب، بل على خلفية ما اعتبره إنفاقًا عبثيًا سيدفع البلاد نحو الإفلاس، قائلًا: "كل ما أطلبه هو ألا نُفلس أميركا".
الهجوم على مشروع "القانون الكبير الجميل"
القشة التي قصمت العلاقة بين ترامب وماسك كانت مشروع قانون ضخم للضرائب والإنفاق أطلق عليه ترامب اسم "القانون الكبير الجميل"، ويبلغ حجمه 3.3 تريليونات دولار.
ماسك وصفه بـ"أكبر زيادة في الدين بالتاريخ"، بحسب وول ستريت جورنال، واعتبره كارثة على الاقتصاد الأميركي ومستقبل الصناعات.
المشروع، بحسب ما نقلت نيويورك تايمز، يُنهي الحوافز الضريبية للمركبات الكهربائية، ويقلّص الدعم للطاقة المتجددة، ويمنح امتيازات لصناعات يعتبرها ماسك "من الماضي".
وكتب ماسك على إكس "المشروع يمنح إعانات لصناعات الماضي بينما يضرّ بشكل كبير بصناعات المستقبل"، في إشارة إلى تضرر قطاعات الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة التي يراها أساسية للريادة الأميركية.
ورغم دفاع البيت الأبيض عن المشروع باعتباره أداة لخفض العجز، قدّرت بيانات مكتب الميزانية في الكونغرس، كما نقلتها "سي إن إن"، أن التشريع سيضيف 3.3 تريليونات دولار إلى العجز في العقد المقبل.
المعركة شملت رموزًا سياسية متباينة. السيناتورة الديمقراطية إليزابيث وورن، التي طالما انتقدت ماسك، كتبت على إكس وفق واشنطن بوست: "من الصعب تصديق أنني أؤيد الرجل الذي أنفق 300 مليون دولار لانتخاب ترامب، لكنه ليس مخطئًا".
بينما اعتبر المحلل دان آيفز من Wedbush في مذكرة للمستثمرين، حسب سي إن إن: "تحوّلت علاقة أفضل الأصدقاء إلى مسلسل درامي يُثقل كاهل سهم تسلا".
التصعيد المستمر، وفق تقارير بلومبرغ، يُربك الأسواق، ويضع الناخب الأميركي أمام معادلة غير معتادة: ماسك ضد ترامب، من داخل نفس الخندق السياسي السابق.