كيف تحوّل "الاستحمام" إلى مهمة صعبة في لبنان؟

من مركز الإيواء المذكور ضمن بيروت، تجد غوى نفسها مضطرة للانتقال إلى منزل إحدى صديقاتها في العاصمة اللبنانية بهدف الاستحمام.

بسبب عدم قدرتها على دفع ثمن الانتقال عبر سيارة أجرة، تضطر غوى للانتقال سيرا على الأقدام في رحلة تستغرق نحو نصف ساعة من المشي ذهابا ونصف ساعة أخرى إيابا.

في حديثها مع بلينكس، تقول غوى "نقوم بتأمين أمورنا قدر المستطاع. ما يساعدنا هو أن الطقس يميل قليلا إلى البرودة الآن، لو حصل النزوح خلال الصيف لكانت الأوضاع أصعب. في اليوم الواحد خلال الحر الشديد، قد نضطر للاستحمام مرتين على الأقل. نأمل ألا يستمر نزوحنا حتى الصيف المقبل وأن ينتهي قريبا".

ما تعيشه غوى يتطابق مع معاناة الشابة فرح، 28 عاما، التي تمكث في شقة صغيرة في جبل لبنان إلى جانب 16 فردا من عائلتها وأقربائها.

حمام واحد ضمن الشقة يستخدمه الجميع ما يستوجب على كل فرد "حجز دور له"، ما يعني أن المعاناة كبيرة جدا، فيما الأصعب هو أن المياه غير متوافرة بشكل دائم.

تقول فرح لبلينكس إن قلة وجود المياه باستمرار تدفعها حاليا للاستحمام كل 3 أيام، مشيرة إلى أن "النزوح قاتل جدا وحالتها النفسية باتت صعبة"، وتضيف "النظافة الشخصية باتت مهددة بسبب انقطاع المياه، وإن أردنا شراءها فإننا سنضطر كل يومين لدفع مبلغ 10 دولارات لقاء 5 براميل من المياه فقط لا تكفي ليوم واحد، بينما راتبي لا يتجاوز الـ400 دولار شهريا".

في مختلف مراكز النزوح لاسيما المدارس، يجري توزيع مستلزمات النظافة الشخصية والدورة الشهرية للنازحات بشكل مجاني.

رغم ذلك، هناك مخاوف من حصول ما يُسمى بـ"فقر الدورة الشهرية" لدى النساء بسبب الضغط على المستلزمات المرتبطة بذلك من جهة، وضعف إمكانية تأمينها بشكل مستمر من جهة أخرى.

ويتصل فقر الدورة الشهرية بصعوبة تأمين مستلزماتها، ما قد يدفع الكثير من النساء والشابات إلى استخدام فوط صحية لوقت أطول أو اللجوء إلى قطع قماش قديمة أو حفاضات أطفال.

القابلة القانونية علا إدريس تشير في لقائها مع بلينكس إلى مخاطر "فقر الدورة الشهرية"، موضحة أن استخدام فوط غير صحية أو بدائل غير آمنة، قد يؤدي إلى التهابات حادة.

وفق إدريس، فإن الأهم هو استخدام فوط صحية ذات نوعية جيدة ومعقمة لأكثر من 3 مرات يوميا مع ضرورة الحفاظ على النظافة الشخصية، موضحة أن هذا الأمر مطلوب بشدة لتفادي أي مشكلات صحية مؤذية.

أيضا، توضح إدريس أن الحالة النفسية للنازحة تؤثر كثيرا على موعد الدورة الشهرية، خصوصا إن كانت تعيش قلقا وخوفا شديدين بسبب الأوضاع.

بدورها، تقول حياة مرشاد، المديرة التنفيذية لجميعة "Fe-Male" المعنية بواقع المرأة والنساء في لبنان، إن منظمتها، ولتعزيز حماية النساء، تعمل على توزيع مستلزمات الدورة الشهرية، مشيرة إلى أنه تم توزيع نحو 2000 حزمة من مستلزمات عناية شخصية ودورة شهرية خلال الأسبوع الماضي.

تقول مرشاد لبلينكس إنه من المقرر هذا الأسبوع توزيع 1500 حزمة جديدة أيضا، مشيرة إلى أن هذا الأمر يجري في مختلف المناطق التي تعمل الجمعية ضمنها لاسيما في بيروت، طرابلس، عكار، جبل لبنان، وغيرها.

تشدد مرشاد في حديثها على أهمية الاهتمام باحتياجات المرأة والنساء، مشيرة إلى أنه خلال الأزمات يتم تهميش هذه الاحتياجات على حساب أمور أخرى.

ضمن منطقتين لبنانيتين، عملت إسرائيل على استهداف مباني جمعية "Fe-Male". تقول مرشاد "في منطقة النبطية بجنوب لبنان، تم استهداف مبنى الجمعية بشكل مباشر ما حوله إلى ركام. أيضا، في منطقة رياق بشرق البلاد، تم استهداف محيط المركز ما أدى إلى تضرره بشكل كبير".

تضيف مرشاد أن هذا الاستهداف يمثل رسالة إسرائيلية لضرب كافة فئات المجتمع اللبناني، لاسيما النساء، وتضيف "رغم كل شيء، فإن هذا الأمر لن يثنينا عن مساعدة النازحات وزيادة نشاطنا".

وفي منطقة البقاع بشرق لبنان حيث القصف عنيف ومستمر، أرسلت الجمعية فريقا من المتطوعين إلى هناك وتحديدا في منطقة زحلة، وذلك بهدف مساعدة النازحات وتأمين المستلزمات لهُنّ ضمن مراكز الإيواء.

وفق مرشاد، فإن تدفق النازحين في البقاع كبير، مشيرة إلى أنّ هناك الكثير من الجمعيات تخشى العمل هناك نظرا للمخاطر.

الناشطة تقول إنه مهما كان دور الجمعيات كبيرا، إلا أنه لا يجب أن ينفي واجبات الدولة في تأمين المستلزمات للنازحين والنازحات، مشيرة إلى أن إمكانيات الجمعيات لا تتجاوز إمكانيات الدولة التي يجب أن تفعّل جهودها بشكل أكبر.

من جهتها، تقول زينة مهنا، عضو الهيئة الإدارية في مؤسسة "عامل" الدولية لبلينكس إن إسرائيل دمرت مركز المؤسسة في بلدة الخيام بواسطة 7 غارات جوية، مشيرة إلى أن هذا المركز كان يدعم 30 بلدة وقرية في جنوب لبنان، وتضيف "أيضا، تعرض مركز المؤسسة في بلدة كفرحمام الجنوبية لأضرار بفعل القصف لكنه تم العمل على تأهيله ليبقى مفتوحا".

ومؤسسة "عامل" هي من المؤسسات التي تعنى بتمكين الفئات المهمشة، كما أنها تعمل على تأمين مساعدات ودعم للنازحين والنازحات وتوفير مستلزمات لهم لاسيما النساء.

وحاليا، تعمل الجمعية عبر 32 مركزا و 12 عيادة نقالة على الاهتمام بالنازحين، مشيرة إلى أنها تتعاون مع قابلات قانونية لتقديم المساعدة للنازحات، بالاضافة إلى تفعيل برامج لدعم النساء النازحات بشكل مستمر في مناطق مختلفة.