صراعات
تقلبت طبيعة العلاقة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره السوري بشار الأسد، على مر السنوات الماضية، وتحولت من الود ومحاولات التقارب والزيارات العائلية، إلى العداء المطلق والوعيد.
أردوغان أطلق قذيفة خلال تصريحاته، الجمعة، تجاه الأسد، وقال إن الفصائل السورية المسلحة ستتجه إلى العاصمة دمشق.
يأتي ذلك في وقت يمر خلاله الجيش السوري بوقت عصيب بعد تقدم قوات هيئة تحرير الشام والفصائل المسلحة بشكل مستمر، وخوض معارك شرسة في مواقع متفرقة.
فماذا يحدث بين الأسد وأردوغان؟
تجمدت العلاقة بين أردوغان والأسد في أعقاب اشتعال الحرب الداخلية في سوريا عام 2011، وتوقفت اللقاءات بينهما حتى الآن، لتشهد كل تلك السنوات الكثير من الشد والجذب بينهما.
قبل ذلك كان الأسد وأردوغان يتمتعان بصداقة أسرية وزيارات عائلية.
وعن سبب انتهاء العلاقة الودية قال الرئيس السوري في حديث متلفز مع قناة "روسيا 1" في مارس 2023 خلال زيارته لموسكو، إن الأمر يعود إلى "سعي أردوغان إلى السلطة باستخدام الدين".
وأوضح الأسد وقتها: "أردوغان ينتمي للإخوان المسلمين بشكل عميق ومعلن، وهذا شيء لا يخفيه، وهذه الفئة تسعى دائما لشيء وحيد، وهو الوصول إلى السلطة باستخدام الدين، فمصلحة الإخوان تأتي أولا".
واتهم الرئيس السوري، نظيره التركي بدعم الإخوان في محاولات السيطرة على سوريا، مشيرا إلى أن إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما كانت تدعم هذا الأمر، وهو ما دفع أردوغان إلى "نسيان الوفاء والصداقة" بينهما.
وأشار الأسد إلى أن أردوغان لا يولي قمية للعلاقات الإنسانية، مضيفا: "من الطبيعي بالنسبة لشخص إخواني أن يبحث عن مصلحته، فلكي تكون إخوانيا عليك أن تكون انتهازيا، لا يمكن أن تكون صادقا، لذلك لا قيمة للصداقة في ذلك الوقت".
وبعد قطيعة لأكثر من عقد، فتح أردوغان الباب أمام عودة العلاقات مع الأسد، وطرح إمكانية استقبال الرئيس السوري في تركيا واستضافته في لقاء رسمي.
ومن جانبه استقبل الأسد الدعوة التركية بشروط محددة، إذ أكد أنه مستعد إلى "تبويس اللحى" مع أردوغان إذا كان ذلك في المصلحة الوطنية لبلاده، وربط تلبية الدعوة وعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين، وكذلك بين الصديقين الزعيمين، بعدة أشياء.
أول المتطلبات التي عرضها الأسد على نظيره التركي تلخصت فيما أسماه "إنهاء الاحتلال"، ما يعني الانسحاب التركي من سوريا، ووقف دعم الإرهاب والفصائل المسلحة، واحترام سيادة الدولة السورية، والابتعاد عن "الأخطاء السياسية".
ومر أكثر من 5 أشهر على الدعوة للزيارة التي لم تتحقق، ليظهر الرئيس التركي ويهدد صديقه القديم بوصول الفصائل المسلحة إلى دمشق لإسقاطه، ما يُنهي أي فرصة للتقارب، على الأقل في الوقت الحالي، وإعلان العداء المطلق.
منذ تفجرت الأوضاع في الداخل السوري، تدهورت العلاقة بين أنقرة ودمشق بشكل واضح، وبدأت خلافات الأسد وأردوغان تظهر علانية على السطح، وتحولت قيمة الصداقة بينهما إلى "صفر"، على حد وصف الرئيس السوري.
تدعم تركيا الفصائل المسلحة التي تعارض حكم الرئيس السوري بالسلاح، وتحارب الجيش السوري بهدف السيطرة على البلاد وانتزاع الحكم بالقوة من قلب دمشق.
على الجهة الأخرى صنفت سوريا كل الفصائل المسلحة "جماعات إرهابية"، واتهمت تركيا بدعم الإرهاب في المدن السورية، بينما لا ترى أنقرة الفصائل بنفس العين.
وفي حديث سابق مع بلينكس قال المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف، إن الرئيس السوري يرى أن تركيا هي التي خرّبت العلاقات مع بلاده، وهي التي يجب أن تعمل على إصلاحها.
وقبل تقدم الفصائل المسلحة الأخير، وسيطرتها على حلب وحماة، كانت تركيا تعرض التفاوض ووضع خطة ومسار واضح لتحسين الوضع في سوريا.
وكان وزير الدفاع التركي، يشار غولي، قال إن أنقرة لن تناقش طلب الأسد في الانسحاب من سوريا إلا بعد "الاتفاق على الدستور الجديد، وإجراء انتخابات، والانتهاء من تأمين الحدود".
وبعد تقدم الفصائل السورية، تخلى أردوغان عن الدبلوماسية ليتحدث علانية عن أن الخطوة المقبلة ستكون التوجه نحو العاصمة دمشق، ضاربا عرض الحائط بمحاولات التقارب مع الأسد.
وقف أردوغان أمام الصحافيين في إسطنبول، مساء الجمعة، ليتحدث علانية للمرة الأولى عن خطة الفصائل المسلحة التي يدعمها في الوصول حكم سوريا.
وفي تصريحاته قال أردوغان: "بعد إدلب وحماة وحمص، سيكون الهدف بالطبع هو دمشق، تستمر مسيرة الفصائل هكذا، وأمنيتنا أن تتواصل دون أي حوادث أو مشاكل".
تصريحات أردوغان جاءت قبل يوم من محادثات ثلاثية بين تركيا وإيران وروسيا، بشأن سوريا، كما أنها الأولى من نوعها التي يدلي بها الرئيس التركي منذ تقدم الفصائل السورية وسيطرتها على مدن سورية كبرى.
أردوغان كذلك قال إنه "وجه دعوة سابقة إلى الأسد"، مضيفا: "قلنا له تعال ودعنا نحدد مستقبل سوريا معا، لكنه للأسف لم يرد بشكل إيجابي".
ويعيش الشعب السوري في المناطق التي شهدت دخول الفصائل المسلحة في معارك مع الجيش السوري بما يشبه "القيامة" على حد وصف أحد السكان لمراسل بلينكس.
وفي الوقت الحالي وصلت حرب الشوارع إلى حمص، إذ يسعى السكان هناك إلى الفرار بعد تحول المدينة إلى ساحة حرب، تطوقها المركبات العسكرية في الأرض، والمقاتلات الحربية في السماء.
وفي ظل الضغط الذي تشكله الفصائل على الحكومة السورية، هدد الرئيس التركي نظيره السوري بوضوح، بينما ينخرط الجيش السوري في معاركه بدعم من روسيا، ضد ما يصفها بالجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة