أمل أطفال غزة المرضى معلّق بـ"تصريح"

أسماء سعيد، تقول إنها تحاول منذ 3 أشهر، إرسال نجلها البالغ من العمر عامين فقط، لتلقي العلاج من الفشل الكلوي الذي بات يهدد حياته في ظل تردي الأوضاع الإنسانية في غزة، حيث تعيش مع ابنها في مخيم داخل خان يونس، ليس به ماء نظيفا ولا طعم.

تقول منظمة الصحة العالمية إن 4300 طفل في قطاع غزة، ضمن 14 ألف مريض، يحتاجون إلى الإجلاء الطبي لتلقي العلاج اللازم، بسبب عدم توافر ما يحتاجونه في القطاع الفلسطيني المُدمر.

لكن وزارة الصحة في غزة تقول إن العدد الإجمالي أكبر من ذلك بكثير، إذ أعلنت أن هناك 22 ألف مريض بينهم 7 آلاف طفل، في حاجة عاجلة إلى الإجلاء لتلقي العلاج، وفقا للطبيب محمد أبو سليمة، المسؤول في الوزارة عن طلبات الإجلاء.

وبداخل مستشفى شهداء الأقصى ترقد الطفلة ميار عسلية، بعد أن أصابها الجفاف والإنهاك لسوء التغذية والعلاج، وتعيش بأنبوب حقن مثبت بيدها لمدها بما يتوفر من العلاج، إذ تعاني من ارتخاء الأعصاب، وهو مرض يؤثر على الجهاز العصبي، فضلا عن وجود مشكلة في شبكية عينها، وتعيش على أمل أن ينتهي الانتظار المستمر منذ 6 أشهر لتلقي العلاج بالخارج.

وتأتي الحاجة الماسة للإجلاء الطبي من غزة، بسبب تدمير النظام الصحي تماما في القطاع، إذ يعمل عدد قليل للغاية من المستشفيات وبشكل جزئي، بعد استهداف أغلب المراكز الصحية في القطاع من الجيش الإسرائيلي.

وبات إجراء العمليات الجراحية في غزة أشبه بالمستحيل، بسبب نقص المعدات والأدوية، بالإضافة إلى اعتقال وقتل أغلب الأطباء المتخصصين، ونزوح بعضهم مع أسرهم إلى مواقع آمنة.

ومن بين الأمراض الخطيرة التي تفتك بأطفال غزة، هو السرطان، خاص بعد أن أغلق الجيش الإسرائيلي المستشفى الوحيد المتخصص في علاج السرطان بالقطاع في بداية الحرب، وألحق به أضرارا جسيمة.

يدخل الطفل سيد شاهين في سباق سرعة مع السرطان، يأمل في أن يخرج من القطاع لتلقي العلاج قبل أن يفتك به المرض الخبيث ويحرمه بصره.

شاهين عمره عامان تقريبا، ويوجه احتمال إزالة عينيه، بعد رفض إسرائيل إجلاءه لتلقي العلاج من السرطان المستقر في شبكية عينه.

وشخصت حالة أسيد بالسرطان في أبريل الماضي، بعدما لاحظت أمه سندنس أبو لبدة تدلي جفنه الأيسر بشكل ملحوظ، لتهرع به إلى المراكز الطبية والمنظمات العالمية التي تقدم إمدادات طبية في القطاع الفلسطيني.

وتقول سندس والدة شاهين، لوكالة أسوشيتدبرس إن منظمة الصحة العالمية قدمت طلبا لإجلاءه نظرا لخطورة حالته، عبر معبر رفح الحدود جنوبي غزة، لكن المعبر أغلق في مايو بعدما سيطرت عليه إسرائيل.

وأعادت المنظمة العالمية تقديم طلبا آخر لإسرائيل لمغادرة الطفل الذي يواجه خطر العمى الكلي، من خلال معبر كرم أبو سالم إلى إسرائيل، الذي بات الطريق الوحيد للخروج. الصدمة ضربت سندس بعدما تلقت رفضا إسرائيليا لطلب الإجلاء الطبي، "لأسباب أمنية" لم تحددها السلطات الإسرائيلية.

لكن السرطان لا ينتظر فرصة أخرى لتقديم طلب جديد، فقد انتشر السرطان إلى عين الصبي الأخرى، ووصل إلى المرحلة الرابعة وفقا لتقييم الأطباء.

وفي محاولات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، تمكن الأطباء في منح الصبي 3 جرعات من العلاج الكيميائي، ويبذلون جهودا مضنية لتوفير جرعات إضافية.

وتشير الأم إلى أن الأطباء قد يضطروا قريبا إلى إزالة عيني شاهين قبل أن يفتك السرطان بباقي جسده وينهي حياته، مؤكدة أن الأمر يتعلق بتوفير جرعات إضافية من الدواء.

تتحكم إسرائيل في الدخول والخروج إلى قطاع غزة بشكل كلي، بعدما أغلقت معبر رفح الحدودي مع مصر، وبات معبر كرم أبو سالم هو المتنفس الوحيد لسكان القطاع، وبالتالي فهي تحدد من يخرج للعلاج ومن يبقى تحت نيران القصف وقسوة النزوح.

وتقول وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق "كوغات"، وهي الوكالة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن الشؤون الإنسانية للفلسطينيين، في بيان: "نبذل جهودنا الممكنة للموافقة على مغادرة الأطفال وأسرهم، لكننا نراعي الفحص الأمني".

وأشار مسؤول عسكري إسرائيلي سابق، في تصريحات نقلتها وكالة أسوشيتدبرس، إلى قيام جهاز الاستخبارات الداخلي في إسرائيل بفحص حالات المرضى أمنيا، وذويهم، ورفض كل من على صلة "بالإرهاب"، وفقا للتقييم الإسرائيلي.

وينتظر آلاف الأطفال التصاريح الإسرائيلي، بينما تفتك بهم الأمراض والإصابات، وذكرت منظمة أطباء بلا حدود أنها حاولت في أغسطس الماضي إجلاء 32 طفلا مع مرافقين من ذويهم، غير أن السلطات الإسرائيلية لم تسمح سوى لستة فقط بالمغادرة.

وفي نوفمبر الماضي تقدمت المنظمة بطلبات لإجلاء 8 أطفال آخرين، بينهم طفل يبلغ من العمر عامين بترت ساقاه، لكن السلطات الإسرائيلية رفضت إجلاءهم مرة أخرى بحسب المنظمة الدولية. واعتبر مدير منظمة أطباء بلا حدود في الأردن، معين محمود، أن إسرائيل "تتعسف ولا تستند إلى معايير أو منطق" في رفض طلبات الإجلاء الطبي.

وقال المسؤول العسكري الإسرائيلي إن بلاده وافقت على إجلاء 5 من الأطفال الثمانية الذين قدمت منظمة أطباء بلا حدود طلبات لإجلائهم، بينما رفضت "كوغات" الكشف عن أسماء المرافقين لهم.

وذكر المسؤول أن منظمة أطباء بلا حدود عليها أن تقدم أسماء مرافقين بدلاء للأطفال الذين حصلوا على موافقة، بعد رفض المرافقين الأوائل.

بينما يقول معين إن المرافقين الذين رفضتهم إسرائيل، كن أمهات وجدات الأطفال، مشيرا إلى أن المنظمة لم تتلق أي معلومات حول سبب الرفض.