"لا يوجد وقت".. رعب "إنذار الدقائق" قبل قصف المعمداني
قال مسعفون إن صاروخين إسرائيليين أصابا مبنى داخل مستشفى رئيسي في قطاع غزة، الأحد، مما أدى إلى تدمير قسم الطوارئ والاستقبال وإلحاق أضرار بمبان أخرى في ضربة قالت إسرائيل إنها استهدفت مقاتلين من حركة حماس يستغلون المنشأة.
وأخلى مسؤولون في قطاع الصحة في مستشفى الأهلي العربي (المعمداني) المبنى من المرضى بعد أن قال أحد الأشخاص إنه تلقى اتصالا من شخص قال إنه من الأمن الإسرائيلي قبل وقت قصير من وقوع الهجوم.
ولجأ عشرات الآلاف من سكان غزة إلى المستشفيات التي استخدمت كملاجئ لإيواء النازحين رغم أن العديد منها تعرض لأضرار جسيمة جراء القصف المتواصل.
ولم تشر تقارير إلى سقوط قتلى أو مصابين، وزعم الجيش الإسرائيلي في بيان أنه اتخذ خطوات لتقليل الأذى للمدنيين قبل أن يضرب المجمع.
وأشارت وزارة الصحة في غزة إلى أن المستشفى التابع للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية كان من أهم المنشآت الطبية في مدينة غزة قبل أن يصبح غير قادر على تقديم الخدمات الطبية بسبب الهجوم.
كشف المتحدث باسم الوزارة خليل الدقران لرويترز أن "مئات المرضى والمصابين أُجبروا على الإخلاء في منتصف الليل، وكثير منهم الآن في الشوارع دون رعاية طبية، مما يعرض حياتهم للخطر".
وأظهرت صور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، لم يتسن لرويترز التحقق من صحتها حتى الآن، عشرات العائلات النازحة تغادر المكان، فيما يقوم البعض بجر ذويهم المرضى على الأسرة.
شرح محمد أبو ناصر وهو من المصابين "طول الليل داخل المستشفى أنا في رعب.. المنظر كان الليلة مخيف.. أنا من الليل حتى الآن منمتش ولا نص دقيقة من الرعب.. القزاز (الزجاج) نفسه طار فينا جوا".
وقالت الكنيسة الأسقفية في القدس والشرق الأوسط إن التحذير بإخلاء المستشفى جاء قبل 20 دقيقة من الهجوم الذي دمر مختبرا لفحص الجينات مكونا من طابقين وألحق أضرارا بمبنى الصيدلية وقسم الطوارئ وغيرها من المباني المحيطة.
ودعت الكنيسة في بيان "جميع الحكومات والشعوب ذات النوايا الحسنة إلى التدخل لوقف جميع أنواع الهجمات على المؤسسات الطبية والإنسانية".
"لا تأخذوا شيئا، لا يوجد وقت"
افترش مئات النازحين وعدد من المرضى والمصابين الأرض، ونصب بعضهم خياما على جانبي الشارع الواقع قبالة المستشفى، وفي ميدان فلسطين القريب.
بين هؤلاء نائلة عماد (42 عاما) التي اوضحت أنه لم يعد لديها مأوى، وبقيت مع أطفالها الستة في الشارع بعدما كانت تحتمي داخل خيمة في المستشفى.
وقالت إن أحد حراس المستشفى "جاء إلى الخيمة فجر اليوم وصرخ: عليكم المغادرة الآن، الطائرات سوف تقصف المستشفى... وقال: لا تأخذوا شيئا، لا يوجد وقت".
وأضافت "عندما وصلت إلى باب المستشفى قصفوه، لم أستطع التمييز هل هذا حقيقي أم كابوس".
وتابعت "أنا والأولاد في الشارع، نزحنا أكثر من 20 مرة، لا نعرف أين نذهب، المستشفى أخر ملاذ لنا، أفضل خيار أن يقتلونا جميعا، أفضل من أن نموت ببطء وإذلال".
أما خالد دلول (30 عاما) فكان يرافق عمه الستيني المصاب.
وقال "ما رأيناه نار جهنم، خرجنا إلى الشارع ننتظر، مثل الذي ينتظر ذبحه، حريق هائل، كل المستشفى دمر، لا يوجد مكان للمرضى للعلاج أو النوم، هذا حكم جماعي بالإعدام والذبح".
والشهر المنصرم، قالت منظمة الصحة العالمية إن 22 من أصل 36 مستشفى في قطاع غزة تعمل جزئيًا.
يقع المستشفى في منطقة سكنية بحي الزيتون في قطاع غزة، وتحيط به كنيسة القديس برفيريوس ومسجد الشمعة ومقبرة الشيخ شعبان.
وتأسس عام 1882 على يد البعثة التبشيرية التابعة للمملكة المتحدة، حسب صحيفة
وول ستريت جورنال. وخلال تلك الفترة، كان المعمداني المؤسسة الصحية الوحيدة في المنطقة التي تمتد بين يافا وبورسعيد مقدمة خدماتها لنحو 200 ألف نسمة آنذاك.
وبعد عقدين من الزمن، انتقلت إدارة المستشفى إلى البعثة الطبية التابعة لكنيسة المذهب المعمداني الجنوبي التي عملت على تشغيله لـ28 عاما.
وفي 1980، استعادت الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس إدارته واستمرت في ذلك إلى يوم قصفه مساء يوم الثلاثاء 17 أكتوبر 2023.
وقبل هذا القصف، تعرض المستشفى سابقا للتدمير والسرقة والنهب خلال الحرب العالمية الأولى، وكان ذلك الوقت يستخدمه الأستراليون كمستشفى عسكري.
وبعد إعادة بنائه عام 1919 عن طريق البعثة التبشيرية الإنجيلية التابعة لإنجلترا، أعيدت تسميته بـ"المستشفى الأهلي العربي" وسُلمت إدارته لعدد من الأطباء العاملين هناك إلى اليوم الذي قُرر إقفاله مع نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1948.
وبعد الاحتلال الإسرائيلي لغزة، استمر المستشفى في تقديم خدماته بالتوازي مع عمليات توسعة شملت بناء طوابق إضافية لضم مختبر وغرف مخصصة لعلاجات مختلفة.
وخلال سبعينيات القرن الماضي، عانى المستشفى من قلة الموارد المالية ما أدى إلى تقليص خدماته وعدد موظفيه.
وبحلول نهاية السبعينيات، عادت ملكية المستشفى إلى أبرشية القدس الأسقفية واستمر في تقديم خدماته خلال الأزمات المختلفة بدءا من الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ديسمبر 1987 إلى الحرب التي شنتها إسرائيل على غزة في أكتوبر 2023.
ذكرت حماس وسلطات صحية محلية أن غارات منفصلة على القطاع، الأحد، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 14 فلسطينيا، من بينهم مدير مركز شرطة غرب خان يونس في جنوب القطاع الذي تديره الحركة. وقال مسعفون إن 6 أشقاء لقوا حتفهم عندما أصابت ضربة إسرائيلية سيارة كانوا يستقلونها في دير البلح بوسط قطاع غزة.
واندلعت الحرب في غزة بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023 على مستوطنات غلاف غزة الذي تشير الإحصاءات الإسرائيلية إلى أنه أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز 251 رهينة.
وتقول السلطات الصحية في القطاع إن أكثر من 50 ألف فلسطيني لقوا حتفهم منذ ذلك الحين جراء الحملة العسكرية الإسرائيلية التي تسببت في دمار واسع النطاق في القطاع وأجبرت معظم سكانه على النزوح.