تحت ستار الحرب.. الهدم "يمسح" قرية فلسطينية

بدأت قصة الأطرش، وهي أم أربعينية لولدين، بجمع حوالى 200 ألف شيكل أي 54 ألف دولار، لبناء منزل في الولجة، وهي القرية المنحوتة في التلال وبين كروم الزيتون، المقسومة بين الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين.

الآن أصبح المنزل الحُلم مجرد أطلال، فتقول الأطرش لفرانس برس وهي تقف أمام أنقاض منزلها الذي هُدم فبراير الماضي: "ترك ابني الجامعة. ادخرنا بعض المال وأخذنا القروض واستدنا من الناس لنشتري قطعة الأرض هذه".

وأضافت: "بنيتها بتعبي.. أردت أن أستقر في حياتي".

الآن سرعت الحكومة الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر عمليات الهدم في المناطق الفلسطينية، في ما يصفه ناشطون بإجراءات عقاب جماعي تهدد بتفاقم التوتر.

منذ السابع من أكتوبر، نزح 444 فلسطينيا في "المنطقة ج" في الضفة الغربية والخاضعة لسيطرة إسرائيل بالكامل، والقدس الشرقية، وذلك بعد عمليات هدم بحجة عدم وجود تصاريح بناء، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا".

يمثل ذلك زيادة نسبتها 36 % في حالات النزوح منذ مطلع العام 2023، بحسب "أوتشا".

يعد الجزء الخاضع لعمليات الهدم في الولجة، تابعا للقدس الشرقية.

وتفيد منظمة "عير عميم" الإسرائيلية الناشطة بأن عمليات الهدم ازدادت بأكثر من 50 % في الأشهر الثلاثة الماضية، مقارنة مع باقي العام 2023.

وأيدت المحكمة العليا الإسرائيلية أوامر الهدم الصادرة بحق 38 منزلا في الولجة، وتؤكد "عير عميم" بأن ستة منازل على الأقل غير مشمولة في قرار التجميد، تواجه خطرا وشيكا.

بين تلك المنازل، منزل محمود أبو خيارة، وهو عامل بناء وأب لثلاثة أطفال شيد منزلا عام 2017 على أرض أجداده في الولجة.

إلا أن القلق يعصف به الآن، فيقول: "سواء كنت جالسا أم نائما.. مهما فعلت، أواصل التفكير في ما سيفعلونه بالنسبة للمنزل. ينهكنا الشعور بالقلق والخوف".

وقال أبو خيارة وهو يحتضن طفله الرضيع: "إذا هدموا منزلنا فسنعيش في الشارع".

منذ احتلت إسرائيل الضفة الغربية وضمت القدس الشرقية عام 1967، لم تضع السلطات أي خطط للتقسيم المدني في الولجة ضمن اختصاصها القضائي، ما جعل البناء بشكل قانوني أمرا غير ممكن بالنسبة للسكان.

وقال الباحث في منظمة "عير عميم" أفيف تاتارسكي، لفرانس برس: "يجد السكان أنفسهم بين خيارين: النزوح من الولجة حيث ولدوا وتعيش عائلاتهم أو البناء من دون رخصة ومواجهة خطر الهدم".

أعلنت إسرائيل القدس بأكملها عاصمة موحدة لها، ويرى العديد من الفلسطينيين في عمليات الهدم محاولة لدفعهم للخروج من القدس الشرقية التي يطالبون بها كعاصمة لدولتهم الفلسطينية المستقبلية.

تمددت مستوطنتا جيلو وهار جيلو اليهوديتان غير الشرعيتين بموجب القانون الدولي، في الأراضي التي تعد جزءا من الولجة.

كما أن القرية محاصرة بالجدار الفاصل في الضفة الغربية الذي شيدته إسرائيل مطلع الألفية، وحرم سكان الولجة من الوصول إلى المراعي وينابيع المياه العذبة.

يقول العديد من الفلسطينيين الذين تسلموا أوامر هدم بأنهم يفضلون هدم منازلهم بأنفسهم لتجنب الرسوم الحكومية وتكاليف استئجار جرافات البلدية.

قال القائم بأعمال مكتب "أوتشا" المعني بشؤون الأراضي الفلسطينية المحتلة غريغ بولي لفرانس برس إن إسرائيل، على اعتبارها قوة قائمة بالاحتلال، ملزمة حماية الفلسطينيين.

وأضاف: "يجب أن يكون لدى الفلسطينيين إمكانية الوصول إلى نظام تخطيط منصف وعادل".

أخذ سكان الولجة على عاتقهم جمع الأموال لتطوير خطة تقسيم بمساعدة خبير تخطيط إسرائيلي.

وتم رفع المقترح المفصل إلى سلطات التخطيط الإسرائيلية مطلع أكتوبر.

وتكشف السجلات القانونية بأن المحكمة العليا وافقت في مطلع ديسمبر على طلب السلطات إمهالها مدة تصل إلى أربعة أشهر لمراجعته.