الحاكم بأمر نتنياهو.. الرقيب العسكري يغضب إسرائيل

هيئة "الرقابة على الصحافة والإعلام" أو "الرقيب العسكري"، هي وحدة تابعة لشعبة المخابرات في الجيش الإسرائيلي، أمان، هدفها تنفيذ الرقابة الصارمة، ومنع تداول أي معلومات بحجة أنها قد "تضر بأمن إسرائيل، أو السلم العام، أو النظام المجتمعي".

ويرأس هذه الوحدة حاليا كوبي ماندلبليت، وأحد أشهر من ترأسوا هذا المكتب في السابق كانت ميري ريجيف وزيرة المواصلات الإسرائيلية الحالية ووزيرة الثقافة السابقة التي نعتت المهاجرين "بالسرطان".

يتمتع الرقيب العسكري بـ"سلطات مخيفة"، فهو يحظر نشر نحو 2240 مادة صحفية جزئيا أو كليا سنويا، ويحدد قائمة طويلة بالمواضيع المعينة التي يجب عرضها على طاقم مكتبه قبل نشرها للجمهور.

ويمكن للرقيب حظر مادة إعلامية بعد نشرها، والتصنت على المكالمات الدولية في إسرائيل للتأكد من عدم إفشاء أي معلومات محظورة للخارج.

وفي حال خالف أي فرد أو وسيلة إعلام أوامر الحظر، فإن بإمكان الرقيب معاقبتهم بالحبس بشكل سري لعدم لفت الأنظار للأخبار المحجوبة، أو إغلاق المؤسسة الإعلامية المخالفة ومصادرة معداتها وإلغاء التصاريح الإعلامية من دون إبداء أسباب حتى.

بعد الـ7 من أكتوبر، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي إلقاء اللوم على جنرالات الجيش وقادة الأجهزة الأمنية فيما يتعلق بفشل التنبؤ بهجوم حماس أو صده، وقام بتعيين منسق إعلامي عسكري ليتجاوز الجيش ووزارة الدفاع.

وسعى نتنياهو لجمع والتلاعب بأدلة تدعم روايته بينما شن أنصاره حربا على ويكيبيديا لحذف أي مرجع يلوم رئيس الوزراء اليميني.

لكن نتنياهو واجه مشكلة من داخل مكتبه، وهي التسريبات المتكررة للصحافة الإسرائيلية عما يدور في جلسات اجتماع الكابينت أو مجلس الحرب.

رئيس الوزراء حاول إخماد تلك التسريبات عبر تهديد وزرائه وحاشيته "بإخضاعهم لجهاز كشف الكذب، ثم وجد نتنياهو طريقة مبتكرة للتلاعب الرواية وهي الرقيب العسكري".

بحسب صحيفة هآرتس، نتنياهو يمارس ضغوطا مكثفة وغير مسبوقة على الرقيب العسكري الإسرائيلي لمنع نشر أخبار تتعلق به وزوجته سارة وبأسلوب إدارته المتردد للمعركة في غزة، بحجة أن ذلك يمس بأمن إسرائيل القومي والسلم العام والنظام المجتمعي.

وطلب رئيس الوزراء تشديد سياسة الرقابة وقائمة الأخبار التي يجب تقديمها بشكل مسبق للموافقة.

وأرسلت حاشية نتنياهو للرقيب طلبات عدة بحظر النشر من دون أن يكون هناك أي سبب أمني مقنع وراء ذلك.

الرقيب ماندلبليت اشتكى بالفعل لكبار ضباط الجيش الإسرائيلي من ضغوط غير عادية يمارسها عليه نتنياهو بهدف منع نشر مواضيع من دون أي مبرر أمني.

وقال إن نتنياهو يريد عزله من منصبه أو حرمانه من صلاحياته في حال مخالفة أوامره.

وأصدر مكتب نتنياهو بيانا رسميا للعلن أقرّ فيه بالضغوط على ماندلبليت، وقال إنه "طوال فترة الحرب، وافق الرقيب العسكري على أخبار أضر نشرها بالأمن القومي لدولة إسرائيل، وعرّض جنودنا وسلامة رئيس الوزراء نفسه للخطر. وقد تناول رئيس الوزراء هذه القضية بشكل علني في مناقشات مختلفة بما في ذلك في لجنة الكنيست".

الضغوط على ماندلبليت تأتي مباشرة من نتنياهو شخصيا ومن مستشار الأمن القومي تساحي هنغبي والسكرتير العسكري الجنرال آفي غيل.

في بعض الأحيان يتحدث نتنياهو مباشرة مع ماندلبليت أو عبر حاشيته، ويطلب منه تشديد سياسة الرقابة والحظر على الأخبار التي تُقدم للموافقة.

أحد القصص التي أراد نتنياهو حجبها عن الجمهور الإسرائيلي كانت متعلقة بمناقشات مجلس الوزراء التي انعكست منها صورة نتنياهو كشخص يتردد في التصرف خلال الحرب.

ووفقا لهآرتس، حظر الرقيب العسكري نشر تقرير عن قضية خاصة تتعلق بنتنياهو وزوجته سارة، وكان تبرير الرقيب ماندلبليت في حينه بأن قرار حظر النشر كان لاعتبارات أمنية متعلقة بالزوجين.

والقصة الأبرز حتى اللحظة التي منع الرقيب العسكري النشر فيها، كانت تفاصيل مقترح التهدئة الإسرائيلي الذي صاغه طاقم المفاوضات وحظي بموافقة وتأييد قادة الأجهزة الأمنية ووزراء مجلس الحرب.

لكن نتنياهو رفض المقترح في البداية واتهم طاقم المفاوضات بأنهم لا يعرفون كيف يتم التفاوض، وبعد ضغوط مكثفة ضده قبل بالمقترح على مضض، إلا أن تفاصيل المقترح ظلت طي الكتمان إلى أن أفصح عنها الرئيس بايدن ليحرج نتنياهو.

لذلك تساءلت هآرتس "لماذا تتدخل الهيئة التي من المفترض أن تمنع المطبوعات الضارة بأمن الدولة في النشر السياسي أصلا؟".

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن حجة الرقيب العسكري كانت "منع تسرب المعلومات إلى العدو"، لكن مقترح التهدئة وصل لحماس، "فهل من الممكن أن الرقباء ظنوا أن العدو في هذه الحالة هو شخص آخر، أي الجمهور الإسرائيلي؟".

الرقيب العسكري قام أيضا بحظر الصحفي عاموس هارئيل من نشر خبر في هآرتس حول لقاء يحيى السنوار، رئيس حركة حماس في غزة، بالأسرى بداخل نفق، وكان الحظر بحجة أن الخبر "يكشف عن قدرات الجيش الإسرائيلي".

لكن بعد أيام، وافق الرقيب العسكري على طلب لصحفي مقرب من نتنياهو، عاميت سيجال، بأن ينشر نفس الخبر في القناة 12 الإسرائيلية.

وتقول صحيفة والا إن هناك ارتفاعا في شكاوى الصحفيين الإسرائيليين حول سلوك الرقيب العسكري ماندلبليت في منظمة الصحفيين بسبب تجاوزه حدوده وصلاحياته فيما يبدو أنه لأسباب سياسية.

في شهر مايو الماضي، كشف تحقيق مشترك لصحيفة الغارديان و+972 وصحف أخرى عن قيام جهاز الموساد الإسرائيلي بحملة تهديد وابتزاز ضد المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية، فاتو بنسودا، لثنيها عن ملاحقة إسرائيل بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وأضاف التحقيق أن الحكومة الإسرائيلية اخترقت هواتف ومراسلات قضاة وموظفي المحكمة والمنظمات الحقوقية التي قدمت لها الأدلة ضد إسرائيل.

هذا التحقيق الذي استمر لمدة أكثر من عام أغضب صحيفة هآرتس التي قال محرروها إنهم كانوا على علم بحملة الابتزاز والتهديد تلك ضد بنسودا منذ أعوام، ولكن مُنعوا من نشر أي تفاصيل عن الأمر.

وأضافت الصحيفة أنه "لو كانت إسرائيل الدولة الديمقراطية التي تزعم، لعلم قراء هآرتس بتلك القصة منذ وقت طويل".

وكشفت هآرتس أن الصحفي الاستقصائي الذي كشف عن القصة في عام 2022 دُعي لمكتب مسؤول أمني كبير وهُدد بأنه إذا نشر أي معلومة عن الموضوع أو أخبر أي شخص خارج إسرائيل عنها فإنه سيتحمل العواقب "وسيتعرف على غرف التحقيق التابعة لسلطات الأمن الإسرائيلية من الداخل".

صحيفة هآرتس تتساءل عن ضرورة وجود الرقابة اليوم ومدى فعالية تلك الرقابة في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي، وتمكن وسائل الإعلام الأجنبية أن تنشر بقدر ما تريد ما يحدث في إسرائيل أو الحصول على معلومات محظورة النشر في إسرائيل من مصادر إسرائيلية ونشرها.

وتقول الصحيفة إنه حتى إذا كان هناك سبب مقنع لوجود الرقابة العسكرية، فإن الرقيب انتهك جميع حدودها في هذه الحرب و"نسي أن عليه حماية أمن البلاد، وليس أمن الحكومة".

القصص التي حظرها الرقيب العسكري تشمل محاولة اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عام 1997 في الأردن. وأيضا عملية اغتيال خليل الوزير "أبو جهاد" في تونس والقصف الإسرائيلي في سوريا والعراق ولبنان.

وفي عام 2014، خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، قالت صحيفة نيويورك تايمز إن طاقهما منع من تداول معلومات عن أسر حماس للجندي هدار غولدن وهو ما أثار استغرابهم كأول أمر يصلهم في العالم أجمع خلال 6 سنوات بحظر نشر معلومات صحفية.

وفي العام 2022، رفع الرقيب العسكري الحظر للمرة الأولى منذ عقود عن معلومة أن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية مزودة بصواريخ وقادرة على قصف أهداف ميدانية.