"هدنة غزة" تقترب.. ماذا يفعل نتنياهو؟

مساء الثلاثاء ١٦ يوليو، كشفت عائلات 5 مجندات أسرن من قاعدة نحال عوز في 7 أكتوبر أن إسرائيل تلقت مقاطع فيديو مصورة تثبت أن الجنديات بصحة جيدة.

ونشرت العائلات صورتين للمجندات الخمس، يظهرن في إحدى تلك الصور وهن جالسات على فراش على الأرض وخلفهن صورة على الحائط لإسماعيل هنية، بينما في الصورة الأخرى ظهرت المجندة نعمة ليفي وإحدى عينيها متورمة قليلاً.

والهدف من نشر ذلك المقطع الضغط على نتنياهو للقبول بالصفقة وتسخين الرأي العام ضده من خلال إثبات أن الأسيرات ما زلن على قيد الحياة، ولكنهن مصابات وقد يتعرضن للموت في أي لحظة.

وقالت العائلات إنهم تلقوا إثبات آخر من حماس على أن المجندات أحياء قبل نحو شهر ونصف، وأضافوا أن بناتهن محتجزات داخل الأنفاق.

ولاقت صور الأسيرات رواجاً كبيراً على السوشيال ميديا بين الإسرائيليين الذين ثار بعضهم في وجه نتنياهو مساء الثلاثاء في حفل تأبين وصاحوا "أنت مذنب" وقاطعوا خطابه وخطاب رئيس الدولة إسحاق هرتسوغ.

بالتزامن مع الضغوط على نتنياهو من عائلات الأسرى والمعارضة ووزير دفاعه وجنرالاته للقبول بالصفقة، هناك ضغوط مضادة من تيار اليمين المتطرف وحتى من داخل حزب الليكود نفسه لإفشال تلك الصفقة بأي طريقة.

أحدث الذرائع لتحقيق تلك الغاية هي إصرار نتنياهو في اللحظات الأخيرة على عدم الانسحاب من محور فيلادلفيا بين رفح ومصر أو محور نتساريم الذي يقسم غزة لنصفين ويمنع عودة النازحين للشمال، على الرغم من أن مقترح بايدن ينص على عكس ذلك.

ويرى كل من رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي ووزير الدفاع يؤاف غالانت أن إسرائيل قادرة على تحقيق أهدافها الأمنية المزعومة في محور فيلادلفيا دون التواجد هناك، مثلاً عبر زرع معدات استشعار ومراقبة أو الاتفاق مع مصر على تمشيط تلك المنطقة وتشديد الرقابة عليها لمنع أنفاق التهريب العابرة للحدود.

لكن حذر وزراء اليمين المتطرف، مثل أوريت ستروك وزيرة المستوطنات، نتنياهو علناً أنهم سيقومون بالانسحاب من الحكومة والتسبب في انهيارها إذا قبل رئيس الوزراء بسحب الجيش من ذلك المحور.

وانضم لهم أيضاً بعض أعضاء حزب نتنياهو نفسه، الليكود، مثل موشيه سعادة الذي يقول: "إذا قرر نتنياهو الانسحاب من محور فيلادلفيا وتعريض أمن مواطني دولة إسرائيل للخطر، فلن يكون جزءاً من الحكومة. لن أدعم ذلك، لقد قلت ذلك بشكل مؤكد وأعتقد أنه يتفق معي، وهو كذلك".

ويزعم سعادة أن الانسحاب من محور فيلادلفيا يعد "خطراً وجودياً" على إسرائيل لأنه يعني أن حماس ستتمكن من إعادة بناء قدراتها في فترة قياسية.

وتحذر هآرتس أن نتنياهو وشركاءه المتطرفين يستخدمون تلك الحجج بغاية جر إسرائيل لإنشاء حكم عسكري في غزة للجيش من أجل إرضاء تيار أقصى اليمين الذي يدعوا لبسط سيطرة إسرائيلية كاملة على القطاع وإعادة استيطانه.

بينما تعارض المنظومة الأمنية، وعلى رأسها وزير الدفاع غالانت، الحكم العسكري في غزة لأن ذلك يعني استنزاف موارد إسرائيل والجيش وطاقاته البشرية في إدارة شؤون القطاع المدنية وتسيير الحياة اليومية لأهله بدلاً من التركيز على جبهات أخرى كإيران وحزب الله.

قامت حماس بتقديم "تنازلات عملاقة" في جولة المفاوضات الحالية من أجل التوصل لاتفاق، بحسب صحيفة جيروزاليم بوست التي قالت إن نتنياهو يسعى بنشاط وفعالية لإفشال فرص الوصول لصفقة عبر الإصرار على شروط تعجيزية من المستحيل أن تقبل بها حماس.

وفي المقابل، زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي السبت ١٣ يوليو أنه لم يتزحزح "ملليمتراً واحداً" عن مقترح بايدن للتهدئة وتبادل الأسرى ولم يقم بإضافة أو إنقاص أي بند من المقترح.

لكن يرى قادة المنظمة الأمنية الإسرائيلية أن نتنياهو كاذب وقام مؤخراً بتشديد موافقه وفرض شروط جديدة لم تكن جزءًا من مقترح بايدن، بينما يلوم رئيس الوزراء جنرالاته ويقول إنهم فرضوا مقترح بايدن عليه كأمر واقع.

أبرز تلك الشروط حالياً هما:

• عدم انسحاب الجيش من القطاع وخاصة محاور فيلادلفيا ونتساريم.
• عدم السماح بعودة النازحين للشمال تحت بند "منع رجوع مسلحين" لنصف غزة الشمالي.

بالإضافة إلى:

• السماح لإسرائيل باستئناف الحرب في أي لحظة.
• احتفاظ إسرائيل بحق الفيتو على الإفراج عن أسرى معينين مثل مروان البرغوثي.
• رفع عدد الأسرى الإسرائيليين المخطط للإفراج عنهم في الشق الأول من الصفقة.
• شرط نفي بعض الأسرى الفلسطينيين لخارج البلاد بالكامل.

وكشفت صحيفة هآرتس ١٠ يوليو أنه كان يمكن التوصل لاتفاق مع حماس قبل أكثر من ٦ أشهر، وأنه كانت هناك عدة فرص لتحقيق ذلك الاتفاق، لكن نتنياهو قام بإفشالها جميعاً بشكل ممنهج.

وسرب رئيس الوزراء أسرار استخباراتية شديدة الحساسية وتلاعب بالحقائق وحرض وزرائه المتطرفين مثل سموتريش من أجل تأليب الرأي العام الإسرائيلي ضد الصفقة، بحسب الصحيفة.

في عمود نشره في صحيفة واشنطن بوست، سرد الصحافي ديفيد إغناتيوس، الثلاثاء ١٦ يوليو، القضايا التي لا يزال الخلاف حولها ضمن المفاوضات حول صفقة الرهائن ووقف إطلاق النار في غزة.

ونقل عن "مسؤولين إسرائيليين كبار" قولهم إن هناك ضغوطاً متزايدة على نتنياهو للقبول بالصفقة، لكن هناك خلافات حتى الآن حول قضايا "اليوم التالي" في القطاع ومن يحكمه.

وعلى سبيل المثال، ما زالت إسرائيل مترددة حول السماح للسلطة الفلسطينية بالعودة لحكم غزة، حيث يرفض نتنياهو ذلك بشكل قطعي بينما وزير دفاعه لمح مجرد تلميحات بأنه قد يقبل بعودتهم.

وهناك أيضاً قضية من سيدير معبر رفح من الجانب الفلسطيني، حيث تريد السلطة الفلسطينية لعب هذا الدور بينما ترفض إسرائيل ذلك.

ويضيف الصحافي أن هناك اتفاق مبدئي على حل وسط أن تعود قوات الاتحاد الأوروبي (EUBAM) للمعبر التي تم تشكيلها عام 2005 لمراقبة الحدود بين غزة ومصر. وتنص أيضاً مبادرة بايدن على سحب الجيش الإسرائيلي من المناطق المأهولة بالسكان في القطاع، لكن إغناتيوس يقول إن إسرائيل ترفض مثل هذا الإخلاء الشامل.

وإسرائيل مصممة على إجراء فحص أمني للنازحين الراغبين في العودة للشمال وتفتيشهم على محور نتساريم بحجة عدم السماح لأعضاء حماس للعودة وتجديد قواتهم أو نقل إمدادات السلاح لتلك المنطقة.

هذا يعني أن النازحين ستتكرر تجربتهم المريرة على الحواجز، حيث يقوم الجنود بسرقة متعلقاتهم وإجبارهم على التعري وإذلالهم وقتل أو اعتقال العديد منهم، ومنع العديد من المرور بشكل عشوائي.

ووضح الصحافي الأميركي أن هناك حلول وسط لهذه القضية، مثل:

• تركيب أنظمة مراقبة فنية.
• مشاركة الولايات المتحدة في عودة السكان.

ولكن تتجنب واشنطن نشر أي قوات عسكرية أميركية في غزة حرصاً على عدم تفجير الرأي العام ضدها. في المقابل، يحكي إغناتيوس من المرجح أن تنشئ أميركا مركز للقيادة والسيطرة اللوجستية على الحدود المصرية مع غزة.

والقضية الأخيرة التي ذكرها إغناتيوس هي مسألة الحفاظ على النظام الأمني في غزة خلال أسابيع وقف إطلاق النار المؤقت الستة في المرحلة الأولى من الصفقة.

ويقول إن إسرائيل وأميركا يريدان إنشاء "تحالف مرن" مع فلسطينيين في غزة ومستشارين أمنيين دوليين، واستخدام مرتزقة أميركيين مأجورين.