قنابل موقوتة.. العراق يستعين بـ"الساقي" لمحو مخلفات الحرب

على مساحة أكثر من 10 آلاف دونم، وفي أرض صحراوية تبعد 55 كيلومترا جنوب غرب محافظة كربلاء في جنوب العراق، تمتلئ الأرض أنواع مختلفة من مخلفات الحرب.

هناك، الصواريخ والألغام متروكة في تلك الأرض المكشوفة، بعد أن تم تفريغها من المخازن إثر حرب العام 2003. ورغم كل تلك المخاطر، يوجد في الأرض عدد كبير من أبناء المنطقة يعمل لأجل استصلاح الأرض.

يقول محمد، 57 عاما، وهو أحد أبناء المنطقة، إنه وعائلته "اعتادوا الحياة والمسير بين الصواريخ والقنابل اليدوية المنتشرة، بينما يلاحقهم الخوف الدائم من فقدان حياتهم في أي لحظة"، منوها إلى أنه بات يكتشف كل يوم نوعا جديدا من المقذوفات، لا بل أصبح يمتلك خبرة في معرفة الأسلحة بمختلف أنواعها، الثقيلة والخفيفة والمتوسطة.

يروي حكاية آلاف من مخلفات الحرب المنتشرة فوق الأرض وتحتها، والتي "تعود بحسب قوله إلى بداية العام 2003، حين نقلت من مخازنها المخصصة، والتي تشبه الأهرامات، لنشرها على الأرض، وفي غرف سرية مدفونة تحت الأرض، خوفا من تعرضها للاستهداف في حينها، عقب اندلاع حرب العام 2003، والتي انتهت بالإطاحة بحكم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لكن من دون إزالة مخلفات الحرب من عموم العراق.

رغم مخاطر الأسلحة التي تملأ المكان، انطلق مشروع زراعي ضخم لاستصلاح تلك الأرض، وتحويلها من مقبرة للمخلّفات الحربية، إلى مساحات خضراء شاسعة، تمدّ أهالي المنطقة المحيطة بها بالأمل، وتوفر لهم فرص العمل، بعد أن عملت على تخليصهم من تلك المخلّفات.

يقول المهندس ضياء الصائغ، وهو رئيس قسم المشاريع الهندسية المشرفة على إنجاز المشروع إن "استصلاح تلك الأرض لم يكن سهلا، إذ عانت الكوادر كثيرا في التعامل مع تلك المخلّفات، لكنها وبالتعاون مع منتسبي الهندسة العسكرية في الجيش العراقي، تمكنت من رفع المخلّفات وتمشيط أكثر من 1500 دونم من مساحة الأرض الكلية".

وبحسب الصائغ، جاء المشروع لكي "يكون نموذجا للكثير من المساحات التي تملأها مخلّفات الأسلحة في بقية المحافظات، وهذه المقابر من الممكن أن تتحول إلى جنة تمدّ الناس بالأمل، وتوفّر لهم فرص العمل، وتزيل عنهم وعن عوائلهم المخاطر".

هناك أكثر من 8 آلاف دونم لا تزال مليئة بالصواريخ والألغام نتيجة التعامل الصعب معها. ولا يملك القائمون على المشروع سوى خيار انتظار إزالة المخلّفات من قبل المختصين، وهم فرقة من الهندسة العسكرية تقوم بتمشيط الأرض منذ شروق الشمس، وحتى المغيب.

ويوضح مسؤول الفرقة، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "مساحة الأرض الشاسعة والانتشار العبثي للمخلّفات، يُعقّد المسألة، ويحتاج إلى الدقة في إزالتها.

يشرح أن "تحت تراب هذه الأرض ذخيرة هائلة وكبيرة تجبرهم على التعامل معها بمنتهى الدقة، والسير بخطوات حذرة ، فبين خطوة وأخرى نجد ألغاما وصواريخ مضادة للدبابات، وذخائر وصواعق وقنابل يدوية. نحن نعمل بكل ما في وسعنا للتعامل بحذر من أجل رفعها وتجميعها في مكان واحد".

ويضيف "الفرقة ترفع في كل فترة مئات القطع الحربية، وتجمعها في مكان غير مأهول، ثم تقوم بعد استحصال الموافقات من الجهات الأمنية العليا بتفجير تلك المخلّفات، وإنهاء خطرها". ويشرح "أحد أعضاء الفرقة فقد أطراف يده في عمليات إزالة سابقة للمخلّفات في البصرة".

تكشف دائرة شؤون الألغام في وزارة البيئة العراقية أن حجم المساحة التي لا تزال مزروعة بالألغام في العراق هي 2000 كيلومتر مربع من أصل 6600.

والعراق وضع خطة لإزالة جميع الألغام والمخلفات الحربية بحلول العام 2028.

تقول المتحدثة الرسمية باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العراق هبة عدنان، إن "محافظة البصرة تعتبر من أكثر المدن تلوثا بمخلفات الحرب في العالم إذ يصل معدل التلوث فيها إلى 1200 كيلومتر مربع وتتكون من الألغام والذخائر العنقودية وغيرها من مخلفات الحرب القابلة للانفجار.

وفي مطلع العام 2024، أعلن المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق أن عدد ضحايا الألغام الأرضية في العراق، تجاوز 34 ألف شخص.

وتشير اليونيسيف إلى أن أكثر من 519 طفلا قتلوا أو جرحوا في بلاد الرافدين على مدى السنوات الـ5 الماضية بسبب الذخائر المتفجرة.

وتشير تقارير إلى أن مساحة 1200 كيلومتر مربع من الحدود العراقية الإيرانية تضم عشرات الآلاف من الألغام والقنابل، في حين أن هناك أيضاً مخلّفات لتنظيم داعش الإرهابي في المحافظات التي سيطر عليها في العام 2014 قبل هزيمته عام 2017.