سياسة
.
واجهت عقيدة الجيش الإسرائيلي المعتمدة على الطيران والتكنولوجيا، هزة كبرى في السابع من أكتوبر ليكشف خطأ استراتيجيا يتمثل في إهمال العنصر الاستخباراتي البشري والمشاة، ما أدى إلى إخفاق المنظومة الأمنية، بحسب موقع إسرائيل هيوم.
في الوقت الحالي، تحاول إسرائيل معالجة الخطأ برفع عدد الجنود الاحتياط والمجندين إجباريا، عبر قانون جديد للتجنيد، لكنه قد:
فما هي تفاصيل مشروع القانون وكيف أدّى إلى انقسام الإسرائيليين؟ وأصبح مهددا لاستمرار الحكومة الإسرائيلية؟ ولماذا يهرب 32.9٪ من الشباب الإسرائيلي من التجنيد؟
في العادة، كل إسرائيلي يصل عمر الـ18 عاما يتوجب عليه الخدمة الإجبارية في الجيش لمدة 32 شهرا للذكر، و24 شهرا شهرا للأنثى.
في كل عام، يتهرب 32.9٪ من الشباب الإسرائيلي من التجنيد الإجباري بحجة معاناتهم لأمراض نفسية، أو بسبب تفرغهم لدراسة التوراة في حال اليهود الحريديم، ولا يكمل نحو 15% من المجندين سنوات الخدمة بالكامل.
مسودة القانون الجديد الذي اقترحه الجيش الإسرائيلي هو رفع سنوات الخدمة لتصبح 36 شهرا للجنسين، أي 4 أشهر إضافية للرجال، وعام إضافي للنساء.
بعد إنهاء الخدمة العسكرية، ينضم الإسرائيليون عادةً لصفوف الخدمة الاحتياطية، حيث يمكن للجيش استدعائهم للمهام القتالية في أي وقت، مثل حرب غزة الجارية.
ويستطيع جندي الاحتياط الانسحاب من الخدمة عند بلوغ سن 40 عاما، والضابط عند سن 45 عاما، وأولئك الذين يقومون بأدوار خاصة، مثل السائقين، عند 49 عاماً.
لكن الجيش الإسرائيلي يخطط الآن لرفع سن التقاعد من صفوف الاحتياط بخمس أعوام إضافية للجنود والضباط، و3 أعوام أخرى لأصحاب المن الخاصة.
أيضاً، يُطلب من جنود الاحتياط تأدية خدمة عسكرية دورية لمدة 54 يوما خلال ثلاث سنوات، والقادة الميدانيين من غير الضباط لمدة 70 يوما، وضباط الاحتياط يخدمون لـ84 يوما إضافية خلال ثلاث سنوات.
ويريد الجيش الآن زيادة عدد الأيام تلك لتصبح 42 يوما لجندي الاحتياط، و48 يوما للقائد، و55 يوما للضابط في السنة الواحدة ما يعني تقريبا مضاعفة أيام الخدمة.
بالنسبة لليهود الحريديم، فحينما تصل أحدهم رسالة التجنيد الإجباري يمكنه أن يرد عليها بجملة سحرية هي "توراتو أومانوتو" أي "دراسة التوراة هي عملي".
في هذه الحالة، يمكن للإسرائيلي تأخير الخدمة أثناء دراسته في مدرسة يشيفا دينية، وإذا وصل إلى سن 26 عاما يسقط عنه التجنيد الإجباري.
الحريديم يردون على اتهامات التخاذل عن الخدمة في الجيش بالقول إنهم "يقاتلون بالدعاء"، وإن دراسة التوراة أو تلاوتها، هو أمر بالغ الأهمية في الدفاع عن الشعب الإسرائيلي من التهديدات الخارجية والداخلية، ويرون أن ما يفعلونه يمكن اعتباره لواء إضافيا يخدم في الجيش يُدعى "فرقة الصلاة".
قبل الحرب على غزة، سعى الحريديم لتمرير قانون أساسي ينص على المساواة بين الخدمة العسكرية الإجبارية ودراسة التوراة، أي يصبح القتال في الجيش والقتال بالدعاء أمام القانون سواء.
هذا الأمر يثير غضب باقي الجمهور الإسرائيلي الذين يعتقدون أن الحريديم يعيشون عالة عليهم اقتصادياً، لأنهم أقل انخراطاً في سوق العمل ويعيشون من مساعدات الدولة.
لذلك تقول صحيفة هآرتس إن الإسرائيليين يشعرون بأنهم دفعوا ثمناً باهظاً من الدماء والمال في الحرب، والآن يُطلب منهم مضاعفة العبء الملقى على كاهلهم، بينما يغيب الحريديم عن هذا المشهد تماماً.
وتحذر الصحيفة من أن رد الفعل الشعبي في حال تمت الموافقة على هذا القانون ستكون غير مسبوقة من حيث الاحتجاجات الشعبية الهائلة ورفض الخدمة العسكرية سواء التجنيد الإجباري أو الاحتياط.
موقف المعارضة الإسرائيلية هو أنه إذا كان الجيش في حاجة للمزيد من الجنود، فعليه ببساطة أن يجبر الحريديم على الانضمام لقواته بدلاً من جلوسهم في مدارس تلاوة التوراة، اليشيفا، ليكون جميع الإسرائيليين سواسية في العبء.
زعيم المعارضة يائير لابيد اشتكى من توقيت طرح القانون قائلاً "في منتصف الحرب، عندما يُقتل الجنود كل يوم وعندما ينهار جنود الاحتياط مالياً. لن يتجند أي حريديم، لن يخاطر أي حريديم بحياته، ولن يعاني أي حريديم مالياً".
الأمر لا يقتصر على المعارضة، بل هناك أصوات في مجلس الحرب تنادي بذلك أيضاً، وترفض مبدأ إلقاء العبء على بعض فئات الشعب دون غيرها.
بيني غانتس، وزير مجلس الحرب والمرشح الأبرز لخلافة نتنياهو، نادى بسن قانون خدمة عسكرية يشمل تدريجياً المواطنين الحريديم والعرب.
وانضم لغانتس وزير مجلس الحرب من نفس الحزب، تشيلي تروبر، الذي كتب على فيسبوك: "فكرة أن الشباب سيمددون خدمتهم لمدة ثلاث سنوات، في حين لن يخدم أقرانهم يوماً واحداً في الخدمة العسكرية أو المدنية، أمر لا يطاق".
وأضاف تروبر بأن اليهود الحريديم لا يتقاسمون عبء الخدمة والتضحية لصالح إسرائيل، وأن غالبية من قتلوا في الميدان ليسوا من الـ"ألترا أرثوذوكس".
إقرار قانون تمديد سنوات الخدمة قد يدفع غانتس وشريكه الجنرال غادي أيزنكوت للاستقالة من مجلس الحرب والعودة لصفوف المعارضة، خاصة في ظل فشل إحراز أي تقدم في ملف الأسرى.
هذه الخطوة تعني فقدان ثقة الشارع بحكومة نتنياهو وعودة المظاهرات بأعداد هائلة، بحسب هآرتس، ويديعوت أحرونوت.
اليهود المتدينون لهم اليد العليا في التحالف الإسرائيلي الحاكم حالياً، فهم يمتلكون 32 مقعدا برلمانيا من أصل 64 مقعدا يحظى بها التحالف في الكنيست، ويمتلك حزب الليكود الـ32 مقعدا المتبقية ويضم في صفوفه بعض اليهود المتدينين أيضاً.
الأحزاب المتدينة تنقسم لقسمين، قسم لليهود المتدينين القوميين ويضم حزبي القوة اليهودية، والصهيونية المتدينة بزعامة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش.
والقسم الآخر هو اليهود الحريديم الذي يضم حزب شاس بزعامة آرييه درعي، وحزب يهدوت هتوراة بقيادة موشيه غافني.
على الرغم من كثافة الفريق المتدين في التحالف الحكومي، إلا أن بعض أصوات الليكود باتت تنادي بفرض التجنيد الإجباري على الحريديم بدلاً من زيادة سنوات خدمة بقية الإسرائيليين.
مثلاً عضوة الكنيست من الليكود تالي غوتليف دعت لإلغاء اقتراح تمديد سنوات خدمة الجيش، وطالبت بأن يفهموا "أن الجميع متساوون في تحمل العبء".
وصرح وزير الشتات الليكودي عميخاي شيكلي أن الوضع الراهن "لا يمكن أن يستمر". بينما أكد عضو الكنيست الليكودي موشيه سعادة أن على الإسرائيليين صياغة عقد اجتماعي جديد بحيث "تضع المزيد من قطاعات الجمهور أيديهم على عجلة القيادة" عندما يتعلق الأمر بالخدمة العسكرية.
وقال في تغريدة على تويتر: "خطة الجيش الإسرائيلي الجديدة توضح لنا النقيض من ذلك، وهو أن العبء الأمني يقع على عاتق نسبة صغيرة من الناس".
وهناك أيضاً أصوات من الأحزاب المتدينة القومية تطالب بتجنيد الحريديم، لكن بـ"اللين لا بالإجبار".
وزير المالية بتسلئيل سموتريش غرد قائلاً: "الجمهور الحريدي ثمين ومحبوب ويساهم كثيراً في دولة إسرائيل، والآن من الضروري أن يقوم بدور أكثر أهمية في مهام الدفاع والأمن أيضاً. من الممكن الجمع بين دراسة التوراة والالتزام بها، جنباً إلى جنب مع الخدمة العسكرية في الجبهة".
ولكن سموتريش استدرك كلامه قائلاً أن رفع معدل تجنيد اليهود المتشددين يجب أن يكون من خلال "الحوار والمناقشة" بدلاً من الإكراه بالتجنيد الإلزامي.
وانضم إليه وزير التراث عميشاي إلياهو من حزب القوة اليهودية، حيث أشاد بارتفاع عدد الحريديم المشاركين في الجيش طواعيةً بعد هجوم 7 أكتوبر، وأضاف أن "محاولة إعادة تثقيفهم بالقوة لن تؤدي إلا إلى الكراهية والعزلة".
أما قادة أحزاب الحريديم فالتزموا الصمت ولكن معارضتهم التامة لمسألة التجنيد الإجباري معروفة من قبل.
هذه المواقف المتباينة تضع تحالف نتنياهو في خطر، فقد سبق واستقال حليفه السابق المقرب أفيغدور ليبرمان من الحكومة عام 2015 احتجاجاً على محاباة الحريديم ما عرض التحالف الحاكم للخطر في ذلك الحين.
© 2024 blinx. جميع الحقوق محفوظة